تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

{ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ْ } أي : خلق عجولا ، يبادر الأشياء ، ويستعجل بوقوعها ، فالمؤمنون ، يستعجلون عقوبة الله للكافرين ، ويتباطئونها ، والكافرون يتولون{[530]}  ويستعجلون بالعذاب ، تكذيبا وعنادا ،


[530]:- في أ الكلمة أقرب إلى أن تكون يقولون وفي ب غير واضحة وكلمة (يتولون) أقرب مناسبة للسياق.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

ثم بين - سبحانه - ما جبل عليه الإنسان من تسرع وتعجل فقال : { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ } .

والعجَل : طلب الشىء وتحريه قبل أوانه ، وهو ضد البطء .

والمراد بالإنسان : جنسه .

والمعنى : خلق جنس الإنسان مجبولا على العجلة والتسرع فتراه يستعجل حدوث الأشياء قبل وقتها المحدد لها ، مع أن ذلك قد يؤدى إلى ضرره .

فالمراد من الآية الكريمة وصف الإنسان بالمبالغة فى تعجل الأمور قبل وقتها ، حتى لكأنه مخلوق من نفس التعجل . والعرب تقول : فلان خلق من كذا ، يعنون بذلك المبالغة فى اتصاف هذا الإنسان بما وصف به ، ومنه قولهم خلق فلان من كرم ، وخلقت فلانة من الجمال .

وقوله : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } تهديد وزجر لأولئك الكافرين الذين كانوا يستعجلون العذاب .

أى : سأريكم عقابى وانتقامى منكم - أيها المشركون - فلا تتعجلوا ذلك فإنه آت لا ريب فيه .

قال ابن كثير : والحكمة فى ذكر عجلة الإنسان هنا : أنه - سبحانه - لما ذكر المستهزئين بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وقع فى النفوس سرعة الانتقام منهم . فقال - سبحانه - : { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ } لأنه - تعالى - يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، يؤجل ثم يعجل ، ويُنْظِر ثم لا يؤخر ، ولهذا قال : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي } أى : نقمى واقتدارى على من عصانى { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } .

وقال الآلوسى : " والنهى عن استعجالهم إياه - تعالى - مع أن نفوسهم جبلت على العجلة ، ليمنعوها عما تريده وليس هذا من التكليف بما لا يطاق . لأنه - سبحانه - أعطاهم من الأسباب ما يستطيعون به كف النفس عن مقتضاها ، ويرجع هذا النهى إلى الأمر بالصبر " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ * وَيَقُولُونَ مَتَىَ هََذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : خُلِقَ الإنْسانُ يعني آدم مِنْ عَجَلٍ .

واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : من عَجَل في بنيته وخلقته كان من العجلة ، وعلى العجلة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد في قوله : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال : لما نفخ فيه الروح في ركبتيه ذهب لينهض ، فقال الله : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما نُفخ فيه يعني في آدم الروح ، فدخل في رأسه عطس ، فقالت الملائكة : قل الحمد لله فقال : الحمد لله . فقال الله له : رحمك ربك فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ يقول : خلق الإنسان عجولاً .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال : خلق عجولاً .

وقال آخرون : معناه : خلق الإنسان من عجل ، أي من تعجيل في خلق الله إياه ومن سرعة فيه وعلى عجل . وقالوا : خلقه الله في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس على عجل في خلقه إياه قبل مغيبها . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال : قول آدم حين خُلق بعد كلّ شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق ، فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ولم تبلغ أسفله ، قال : يا ربّ استعجل بخلقي قبل غروب بالشمس .

حدثني الحارث ، قال حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال مجاهد : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال آدم حين خُلق بعد كلّ شيء ثم ذكر نحوه ، غير أنه قال في حديثه : استعجلْ بخلقي فقد غربت الشمس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال : على عجل آدم آخر ذلك اليوم من ذينك اليومين ، يريد يوم الجمعة ، وخلقه على عجل ، وجعله عجولاً .

وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة ممن قال نحو هذه المقالة : إنما قال : خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ وهو يعني أنه خلقه من تعجيل من الأمر ، لأنه قال : إنّمَا قَوْلُنا لِشَيْء إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قال : فهذا العجل . وقوله : فَلا تَسْتَعْجِلُونِ إنّي سأُرِيكُمْ آياتي .

وعلى قول صاحب هذه المقالة ، يجب أن يكون كلّ خلق الله خُلق على عجل ، لأن كل ذلك خلق بأن قيل له كن فكان .

فإذا كان ذلك كذلك ، فما وجه خصوص الإنسان إذا بذكر أنه خُلق من عجل دون الأشياء كلها وكلها مخلوق من عجل ؟ وفي خصوص الله تعالى ذكره الإنسان بذلك الدليل الواضح ، على أن القول في ذلك غير الذي قاله صاحب هذه المقالة .

وقال آخرون منهم : هذا من المقلوب ، وإنما خُلق العَجَل من الإنسان ، وخُلقت العجلة من الإنسان . وقالوا : ذلك مثل قوله : ما إنّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعُصْبَةِ أُولي القُوّةِ إنما هو : لَتنوء العصبة بها متثاقلة . وقالوا : هذا وما أشبهه في كلام العرب كثير مشهور . قالوا : وإنما كلم القوم بما يعقلون . قالوا : وذلك مثل قولهم : عرَضتُ الناقة ، وكقولهم : إذا طلعت الشعرى واستوت العود على الحِرْباء أي استوت الحرباء على العود ، كقول الشاعر :

وتَرْكَبُ خَيْلاً لا هَوَادَة بَيْنَها *** وَتَشْقَى الرماحُ بالضياطِرَةِ الحُمْرِ

وكقول ابن مقبل :

حَسَرْتُ كَفّي عَنِ السّرْبالِ آخُذُهُ *** فَرْدا يُجَرّ عَلى أيْدِي المُفَدّينا

يريد : حسرت السربال عن كفّي ، ونحو ذلك من المقلوب . وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول ، الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا الذي ذكرناه عمن قال معناه : خُلق الإنسان من عجل في خلقه أيْ على عجل وسرعة في ذلك . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأنه بُودر بخلقه مغيب الشمس في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة ، وفي ذلك الوقت نفخ فيه الروح .

وإنما قلنا أولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب ، لدلالة قوله تعالى : سأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونَ عليّ ذلك ، وأن أبا كريب :

حدثنا قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ فِي الجُمُعَةِ لَساعَةً » يُقَلّلُها ، قال : «لا يَوَافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسأَلُ اللّهَ فِيها خَيْرا إلاّ آتاهُ اللّهُ إيّاهُ » فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أيّ ساعة هي ، هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة . قال الله : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونَ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وعبدة بن سليمان وأسير بن عمرو ، عن محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وذكر كلام عبد الله بن سلام بنحوه .

فتأويل الكلام إذا كان الصواب في تأويل ذلك ما قلنا بما به استشهدنا خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ، ولذلك يستعجل ربه بالعذاب . سأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ أيها المستعجلون ربهم بالاَيات القائلون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : بل هو شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون آياتي ، كما أريتها من قبلكم من الأمم التي أهلكناها بتكذيبها الرسل ، إذا أتتها الاَيات : فلا تَسْتَعْجِلُونِ يقول : فلا تستعجلوا ربكم ، فإنا سنأتيكم بها ونريكموها .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ فقرأته عامة قرّاء الأمصار : خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ بضمّ الخاء على مذهب ما لم يسِمّ فاعله . وقرأه حُميد الأعرج : «خَلَقَ » بفتحها ، بمعنى : خلق الله الإنسان . والقراءة التي عليها قرّاء الأمصار ، هي القراءة التي لا أستجيز خلافها .