تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

فأعطاه الله ، ما بلغ به مغرب الشمس ، حتى رأى الشمس في مرأى العين ، كأنها تغرب في عين حمئة ، أي : سوداء ، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء ، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع ، ووجد عندها ، أي : عند مغربها قوما . { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ْ } أي : إما أن تعذبهم بقتل ، أو ضرب ، أو أسر ونحوه ، وإما أن تحسن إليهم ، فخير بين الأمرين ، لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق ، أو فيهم شيء من ذلك ، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق ، لم يرخص في تعذيبهم ، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء ، لتوفيق الله له لذلك ، فقال : سأجعلهم قسمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

{ حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس } أى حتى إذا وصل إلى منتهى الأرض المعمورة فى زمنه من جهة المغرب .

{ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } أى : رآها فى نظره عند غروبها ، كأنها تغرب فى عين مظلمة ، وإن لم تكن هى فى الحقيقة كذلك .

وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس ماء فإنه يراها كأنها تشرق منه وتغرب فيه ، كما أن الذى يكون فى أرض ملساء واسعة ، يراها كأنها تطلع من الأرض وتغيب فيها .

وحمئة : أى : ذات حمأة وهى الطين الأسود . يقال : حمأَتِ البئر تَحمأُ حَمأً ، إذا صارت فيها الحمأَة وهى الطينة السوداء .

وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائى : { وجدها تغرب في عين حامية } أى : حارة . اسم فاعل من حَمِى يَحْمَى حَمْياً .

{ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } أى : ووجد عند تلك العين على ساحل البحر قوما .

الظاهر أن هؤلاء القوم كانوا من أهل الفترة ، فدعاهم ذو القرنين إلى عبادة الله - تعالى - وحده ، فيهم من آمن وفيهم من كفر ، فخيره الله - تعالى - فيهم فقال : { قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } .

أى : قال الله - تعالى - له عن طريق الالهام ، أو على لسان ملك أخبره بذلك : يا ذا القرنين إما أن تعذب هؤلاء القوم الكافرين أو الفاسقين بالقتل أو غيره ، وإما أن تتخذ فيهم أمراً ذا حسن ، أو أمرا حسنا ، تقتضيه المصلحة والسياسة الشرعية .