فلما مدحهما مشتركين خص سليمان بما خصه به لكون الله أعطاه ملكا عظيما وصار له من الماجريات ما لم يكن لأبيه صلى الله عليهما وسلم فقال : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } .
أي : ورث علمه ونبوته فانضم علم أبيه إلى علمه ، فلعله تعلم من أبيه ما عنده من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان ، وقال شكرا لله وتبجحا بإحسانه وتحدثا بنعمته : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ } فكان عليه الصلاة [ والسلام ] يفقه ما تقول وتتكلم به كما راجع الهدهد وراجعه ، وكما فهم قول النملة للنمل كما يأتي وهذا لم يكن لأحد غير سليمان عليه الصلاة والسلام .
{ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } أي : أعطانا الله من النعم ومن أسباب الملك ومن السلطنة والقهر ما لم يؤته أحدا من الآدميين ، ولهذا دعا ربه فقال : { وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي } {[590]} فسخر الله له الشياطين يعملون له كل ما شاء من الأعمال التي يعجز عنها غيرهم ، وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر .
{ إِنَّ هَذَا } الذي أعطانا الله وفضلنا واختصنا به { لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } الواضح الجلي فاعترف أكمل اعتراف بنعمة الله تعالى .
والمراد بالوراثة فى قوله - تعالى - : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ . . . } وراثة العلم والنبوة والملك . أى : وورث سليمان داود فى نبوته وعلمه وملكه .
قال ابن كثير : " وقوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } : أى : فى الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال ، إذ لو كان كذلك ، لم يخص سليمان وحده من ين سائر أولاد داود .
. . ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الأنبياء لا تورث أموالهم ، أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " .
ثم حكى - سبحانه - ما قاله سليمان على سبيل التحدث بنعم الله عليه ، فقال - تعالى - : { وَقَالَ ياأيها الناس عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ . . } .
أى : وقال سليمان - عليه السلام - على سبيل الشكر لله - تعالى - : يأيها الناس : علمنا الله - تعالى - بفضله وإحسانه فهم ما يريده كل طائر إذا صوت أو صاح ، وأعطانا - سبحانه - من كل شىء نحتاجه وننتفع به فى ديننا أو دنيانا .
وقدم نعمة تعليمه منطق الطير ، لأنها نعمة خاصة لا يشاركه فيها غيره ، وتعتبر من معجزاته - عليه السلام - .
وقيل : إنه علم منطق جميع الحيوانات ، وإنما ذكر الطير لأنه أظهر فى النعمة ، ولأن الطير كان جندا من جنده ، يسير معه لتظليله من الشمس .
قال الآلوسى : " والجملتان - علمنا منطق الطير ، وأوتينا من كل شىء - كالشرح للميراث .
وعن مقاتل : أنه أريد بما أوتيه النبوة والملك وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح .
وعن ابن عباس : هو ما يريده من أمر الدنيا والآخرة " .
وعبر عن نعم الله - تعالى - عليه بنون العظمة فقال { أُوتِينَا } ولم يقل أوتيت ، للإشعار بأنه عبد من عباد الله المطاعين ، الذين سخر لهم جنوداً من الجن والإنس والطير ، ليكونوا فى خدمته ، وليستعملهم فى وجوه الخير فى فى وجوه الشر ، فهو لم يقل ذلك على سبيل التباهى والتعالى ، وإنما قاله على سبيل التحدث بنعمى الله .
وإسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { إِنَّ هذا لَهُوَ الفضل المبين } يعود إلى ما أعطاه الله - تعالى - إياه من العلم والملك وغيرهما .
أى : إن هذا الذى أعطانا إياه من العلم والملك ، وكل شىء تدعو إليه الحاجة ، لهو الفضل الواضح ، والإحسان الظاهر منه - عز وجل - .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.