163 وَاسْأَلْهُمْ أي : اسأل بني إسرائيل عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ أي : على ساحله في حال تعديهم وعقاب اللّه إياهم .
إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ وكان اللّه تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا ، فابتلاهم اللّه وامتحنهم ، فكانت الحيتان تأتيهم يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا أي : كثيرة طافية على وجه البحر .
وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ أي : إذا ذهب يوم السبت لا تَأْتِيهِمْ أي : تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم{[331]} اللّه ، وأن تكون لهم هذه المحنة ، وإلا فلو لم يفسقوا ، لعافاهم اللّه ، ولما عرضهم للبلاء والشر ، فتحيلوا على الصيد ، فكانوا يحفرون لها حفرا ، وينصبون لها الشباك ، فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك ، لم يأخذوها في ذلك اليوم ، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها ، وكثر فيهم ذلك ، وانقسموا ثلاث فرق :
قوله - تعالى - { وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية } . . . الخ . معطوف على اذكر المقدر في قوله - تعالى - : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا } والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وضمير الغيبة للمعاصرين له من اليهود .
أى : سل يا محمد هؤلاء اليهود المعاصرين لك كيف كان حال أسلافهم الذين تحايلوا على استحلال محارم الله فإنهم يجدون أخبارهم في كتبهم ولا يستطيعون كتمانها .
والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم ، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق ، ولا يعرضوا أنفسهم لعقوبات كالتى نزلت بسابقيهم ، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم والتى لا يستطيعون إنكارها ، والتى لا تعلم إلا بكتاب أو وحى ، فإذا أخبرهم بها النبى الأمى الذي لم يقرأ كتابهم كان ذلك معجزة له . ودليلا على أنه نبى صادق موحى إليه بها .
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة : ( أى واسأل - يا محمد - هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على اعتدائهم واحتيالهم في المخالفة ، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم " لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وهذه القرية هى " أيلة " وهى على شاطىء بحر القلزم ، أى - البحر الأحمر- ) .
وقال الإمام القرطبى : وهذا سؤال تقرير وتوبيخ ، وكان ذلك علامة لصدق النبى صلى الله عليه وسلم إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم وكانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه ، لأنا من سبط إسرائيل . ومن سبط موسى كليم الله ، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم ، فقال الله - عزل وجل - لنبيه سلهم - يا محمد - عن القرية . أما عذبتهم بذنوبهم ، وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة .
وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية . قرية ( أيلة ) التي تقع بين مدين والطور ، وقيل هى قرية طبرية ، وقيل هى مدين .
ومعنى كونها { حَاضِرَةَ البحر } : قريبة منه ، مشرفة على شاطئه ، تقول كنت بحضرة الدار أى قريبا منها .
وقوله { إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت } أى يظلمون ويتجاوزون حدود الله - تعالى - بالصيد في يوم السبت ويعدون بمعنى يعتدون ، يقال : عدا فلان الأمر واعتدى إذا تجاوز حده .
وقوله تعالى { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } بيان لموضع الاختبار والامتحان .
و { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ } ظرف ليعدون . وحيتان جمع حوت وهو السمك الكبير . وشرعا : أى : شارعة ظاهرة على وجه الماء . جمع شارع ، من شرع عليه إذا دنا وأشرف وكل شىء دنا من شىء فهو شارع ، وقوله : شرعا حال من الحيتان .
والمعنى : إذ تأتيهم حيتانهم في وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة ، فإذا مرت يوم السبت وانتهى لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه ، ابتلاء من الله - تعالى - لهم .
قال ابن عباس : ( اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به ، وهو يوم الجمعة ، فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله - تعالى - به ، وحرم عليهم الصيد فيه ، وأمرهم بتعظيمه ، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل ، وذلك بلاء ابتلاهم الله به ، فذلك معنى قوله تعالى { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } .
وقال الإمام القرطبى : ( وروى في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود - عليه السلام - وأن إبليس أوحى إليهم فقال إنما نهيتهم عن أخذها يوم السبت ، فاتخذوا الحياض ، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها ، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء . فيأخذونها يوم الأحد ) .
وقوله تعالى { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } معناه : بمثل هذا الابتلاء ، وهو ظهور السمك لهم في يوم السبت ، واختفائه في غيره نبتليهم ونعاملهم معاملة من يختبرهم ، لينالوا ما يستحقونه من عقوبة بسبب فسقهم وتعديهم حدود ربهم ، وتحايلهم القبيح على شريعتهم ، فقد جرت سنة الله بأن من أطاعة سهل له أمور دنياه ، وأجل له ثواب أخراه ، ومن عصاه أخذه أخذ عزيز مقتدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.