بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (44)

قوله عز وجل : { قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح } يعني : القصر ، وذلك لأنها لما أقبلت قالت الجن : لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب ، فلو اجتمع سليمان وهذه ، وما عندها من العلم لهلكنا ، وخشوا أن يتزوجها ، ويكون بينهما ولد ، فيرث الملك فيبقون في ذلك العناء إلى الأبد فأرادوا إن يبغضوها إلى سليمان فقالوا إن رجليها شعراوان وقال مقاتل كانت أمها جنية وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت أمها جنية وكانت شعراء . وقال بعضهم هذا لا يصح لأن الجن ليسوا من جنس الآدميين فلا يكون بينهما شهوة ونسل وقد قال الله تعالى { ياأيها الناس إِنَّا خلقناكم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ الحجرات : 13 ] . يعني : آدم وحواء عليهما السلام فلا يجوز أن يكون النسل من غيرهما ويقال إنهم قالوا لسليمان إن رجلها تشبه حافر الدواب فأراد سليمان أن ينظر إلى رجليها فأمر بأن يوضع سريرها في الصرح المبني من القوارير يعني : من الزجاج وجعل تحت الصرح الماء فيه السمك فجلس سليمان على سريره في الصرح ومقدميه ثم أمر بلقيس بأن تدخل الصرح { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } أي فلما جاءت إلى الصرح رأت ما فيه من السمك حسبته لجة أي ظنت أنه ماء كثير بين يدي سرير سليمان فأرادت أن تخوض في الماء فشمرت ثيابها { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } فنظر سليمان إلى ساقيها وكانت شعراً فاستشار سليمان الإنس في ذلك فأشاروا عليه بالموسى فقال سليمان الموسى تخدش ساقيها فاستشار الجن فأشاروا عليه بالنورة فأصل النورة من ذلك الوقت وروي أن سليمان ما نظر إلى ساق أحسن من ساقيها ولا خلاف بين الروايتين لأنه يكون أحسن الساقين شعراوين وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أنا أحسن ساقين أم بلقيس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كانت هي أحسن ساقين منك في الدنيا وأنت أحسن ساقين منها في الآخرة " فلما كشفت عن ساقيها قال لها سليمان : لا تكشفي عن ساقيك { قال إنه صرح ممرد من قوارير } يقول قصر مملس ، ولهذا سمي أمر الذي لم ينبت له الشعر ويقال : ممرد يعني ، قوي شديد ، كما يقال شيطان مريد { من قوارير } يعني : من الزجاج ، فلما رأت السرير والصرح ، علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان ، وأن ملكه من الله تعالى ، وأنه نبي حقا ، ثم إن سليمان دعاها إلى الإسلام فأجابت ، فذلك قوله تعالى{ قالت ربي إني ظلمت نفسي } بعبادتي للشمس { وأسلمت مع سليمان الله } وأخلصت ديني لله تعالى مع سليمان بالتوحيد ويقال : { مع سليمان } يعني : أسلمت على يدي سليمان لله { رب العالمين } وتابت إلى الله تعالى من شركها قال مقاتل : فاتخذها سليمان لنفسه ، فولدت له داود بن سليمان قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هي أحسن ساقين من نساء العالمين وهي من أزواج سليمان في الجنة " .