بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (67)

قوله تعالى :

{ مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى } ؛ يقول : ما ينبغي وما يجوز لنبي أن يبيع الأسارى ، يقول : لا يقبل الفدية عن الأسارى ، ولكن السيف { حتى يُثْخِنَ فِي الأرض } ، يعني حتى يغلب في الأرض على عدوه . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر : { فَانٍ * تَكُنْ } كلاهما بالتاء بلفظ التأنيث ، لأن لفظ المائة جماعة العدد مؤنث ؛ وقرأ حمزة وعاصم وأبو عمرو الأولى خاصة بالياء والأُخرى بالتاء ؛ وقرأ كلاهما بالتاء بلفظ التذكير ، لأن الفعل مقدم . وقرأ حمزة وعاصم { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } بنصب الضاد وجزم العين ؛ وقرأ الباقون بضم الضاد ومعناهما واحد ، ضَعْف وضِعْف ، وهما لغتان . وقرأ بعضهم { ضعفا } بضم الضاد ونصب العين ، وهي قراءة أبي جعفر المدني يعني عجزة .

قوله تعالى : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا } ، يعني أتريدون عرض الدنيا وهي الفداء ؟ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أسروا الأسارى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما : « ما تَرَوْنَ في هَؤُلاءِ الأُسَارَى » قال أبو بكر : هم بنو العم والعشيرة ، أرى لهم أن تأخذ منهم الفدية فتكون لنا عدة على الكفار ، ولعل الله يهديهم الإسلام . وقال عمر : أرى أن تمكننا منهم ، فنضرب أعناقهم . فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ما قال أبو بكر ؛ قال عمر : فلما كان من الغد جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت : يا رسول الله ، من أي شيء تبكي ؟ فقال : « أبْكِي لِلَّذِي عُرِضَ عَلَيَّ لأَصْحَابِكَ مِنْ أخْذِهِمُ الفِدَاءَ » . فنزل { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ ما نَجَا مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ عُمَرَ » . قرأ أبو عمرو { أَن تَكُونَ لَهُ *** أسرى } بلفظ التأنيث والباقون بلفظ التذكير ، لأن الفعل مقدم . ثم قال : { والله يُرِيدُ الآخرة } ، يعني عز الدين . { والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ } عزيز في ملكه حكيم في أمره .