بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } ؛ وذلك أنه لما أمرهم الله تعالى بالقتال ، شق ذلك على بعض المؤمنين ، فنزل قوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } ، يعني : أظننتم أن تتركوا على الإيمان أيها المؤمنون ، ولا تبتلوا بالقتال ولا تؤمروا به . { وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ } ، يعني : لم يميز الذين جاهدوا منكم من الذين لم يجاهدوا . وقد كان يعلم الله تعالى ذلك منهم قبل أن يجاهدوا وقبل أن يخلقهم ، ولكن كان علمه علم الغيب ، ولا يستوجبون الجنة والثواب بذلك العلم ؛ وإنما يستوجبون الثواب والعقاب بما يظهر منهم من الجهاد . ويقال : معناه أظننتم أن تدخلوا الجنة بغير جهاد وبغير تعب النفس ، وهكذا قال في آية أُخرى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ }

[ البقرة : 214 ] . وكما قال في رواية أُخرى : { أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] الآية .

ثم قال { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ } ، يعني : لم يتخذوا من دون الله تعالى ولا رسوله ، يعني : ولا من دون رسوله ، { وَلاَ المؤمنين } ، يعني : ويميز الذين لا يتخذون ولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين يميِّزهم من غيرهم ، { وَلِيجَةً } ؛ يعني : بطانة من غير أهل دينه ، يفشي إليه سره . وقال الزجاج : الوليجة البطانة ، وهي مأخوذة من ولج الشيء إذا دخل ، يعني : ولم يتخذوا بينهم وبين أهل الكفر خُلَّةً ومودة . ويقال : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إليهم ، وأراد بذلك مودة أهل مكة ، وفيه نزلت : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الحق يُخْرِجُونَ الرسول وإياكم أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وابتغآء مَرْضَاتِى تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل } [ الممتحنة : 1 ] الآية . ثم قال تعالى : { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، يعني : من الخير والشر والجهاد والتخلف ومودة أهل الكفر .