فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِي قَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيمٞ} (50)

{ وقال الملك } في الكلام حذف قبل هذا والتقدير فذهب الرسول إلى الملك فأخبره بما أخبره به يوسف عليه السلام من تعبير الرؤيا وقال الملك لمن بحضرته { أئتوني به } أي بيوسف عليه السلام رغب إلى رؤيته ومعرفة حاله بعد أن علم بفضله ما علمه من وصف الرسول له ومن تعبيره لرؤياه { فلما جاءه } أي إلى يوسف عليه السلام { الرسول } واستدعاه إلى حضرة الملك وأمره بالخروج من السجن وهذه هي المرة الثانية من مجيء الرسول إليه في السجن .

{ قال } يوسف عليه السلام للرسول قاصدا إظهار براءته { ارجع إلى ربك } أي سيدك { فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } أمره بأن يسأل الملك عن ذلك وتوقف عن الخروج من السجن ولم يسارع إلى إجابة الملك ليظهر للناس براءة ساحته ونزاهة جانبه وإنه ظلم بكيد امرأة العزيز ظلما بينا .

قال ابن عباس : أراد يوسف عليه السلام العذر قبل أن يخرج من السجن ولقد أعطى عليه السلام من الحلم والصبر والأناة ما تضيق الأذهان عن تصوره .

ولهذا ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف عليه السلام لأجبت الداعي ) {[970]} يعني الرسول الذي جاء يدعوه إلى الملك قال ابن عطية " كان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرا وطلبا لبراءة ساحته وذلك أنه خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه فيراه الناس بتلك العين يقولون هذا الذي راود امرأة العزيز .

وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها وإنما قال فسأله ما بال النسوة وسكت عن امرأة العزيز رعاية لذمام الملك العزيز أو خوفا منه من كيدها وعظم شرها وذكر السؤال عن تقطيع الأيدي ولم يذكر مراودتهن له تنزيها منه عن نسبة ذلك إليهن لذلك لم ينسب المراودة فيما تقدم إلى امرأة العزيز إلا بعد أن رمته بدائها وانسلت وقد اكتفى هنا بالإشارة الإجمالية بقوله .

{ إن ربي بكيدهن عليم } فجعل علم الله سبحانه بما وقع عليه من الكيد منهن مغنيا عن التصريح وقيل المراد هنا الملك وجعله ربا لنفسه لكونه مربيا له والأول أولى وفيه تعظيم كيدهن والوعيد لهن على كيدهن .


[970]:مسلم 151 البخاري 1593.