فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءٖۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (51)

{ قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه } مستأنفة كأنه قيل فماذا قال الملك بعد أن أبلغه الرسول ما قال يوسف عليه السلام والخطب الشأن العظيم الذي يحق له أن يخاطب فيه صاحبه خاصة وإنما يخطب في الأمور العظام قال الأزهري : تقول هذا خطب جليل وخطب يسير والمعنى ما شأنكن وكانت النسوة أربعين كما تقدم وقد تقدم معنى المراودة وإنما نسب إليهن المراودة لأن كل واحدة منهن وقع منها ذلك كما تقدم .

ومن جملة من شمله خطاب الملك امرأة العزيز أو أراد بنسبة ذلك إليهن وقوعه منهن في الجملة كما كان من امرأة العزيز تحاشيا عن التصريح منه بنسبة ذلك إليها لكونها امرأة وزيره وهو العزيز فأجبن عليه بقولهن { قلن حاش لله } أي معاذ الله تنزيها له عن أن يتصف بالعجز عن خلق بشر عفيف مثل هذا .

{ ما علمنا عليه من سوء } أي من أمر سيئ ينسب إليه من خيانة في شيء من الأشياء وغير ذلك ولما علمت زليخا أن هذه المناظرات والتفحصات إنما هي بسببها فعند ذلك كشفت الغطاء وصرحت بما هو الواقع .

و { قالت امرأة العزيز } منزهة مقرة على نفسه بالمراودة له { الآن حصحص الحق } أي تبين وظهر بعد خفائه وأصله حص فقيل حصحص كما قيل في كبوا كبكبوا قاله الزجاج وأصل الحص استئصال الشيء يقال حص شعره إذا استأصله والمعنى أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه ، وقيل هو مشتق من الحصة والمعنى بانت حصة الباطل .

قال الخليل : معناه ظهر الحق بعد خفائه وقال ابن عباس : تبين وعن مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد والسدي مثله .

ثم لما علمت أن يوسف عليه السلام راعى جانبها حيث قال : ما بال النسوة ولم يذكرها مع أن الفتن كلها إنما نشأت من جهتها كافأته على ذلك باعترافها بأن الذنب منها وأوضحت ذلك بقولها { أنا راودته عن نفسه } ولم تقع منه المراودة لي أصلا { وإنه لمن الصادقين } فيما قاله من تنزيه نفسه ونسبة المراودة إليها وأرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام