فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (117)

{ بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } .

{ بديع السموات والأرض } أبدع الشيء أنشأه لا عن مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه له مبدع ، والأصل بديع سمواته أي بدعت لمجيئها على شكل فائق حسن غريب { وإذا قضى أمرا } أي أحكمه وأتقنه ، قال الأزهري : قضى في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه ، وقيل هو مشترك بين معان يقال قضى بمعنى خلق ومنه { فقضاهن سبع سموات } وبمعنى أعلم ، ومنه { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } وبمعنى أمر ومنه { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } وبمعنى ألزم منه { قضى عليه القاضي } وبمعنى أوفاه منه { فلما قضى موسى الأجل } بمعنى أراد منه { فإذا قضى أمرا } والتقدير إذا قضى أمرا يكون ويحصل ، فلفظ يكون المقدر هو العامل في { إذا } .

والأمر واحد الأمور ، وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى .

" الأول " : الدين ، ومنه { حتى جاء الحق وظهر أمر الله } .

" الثاني " : بمعنى القول منه { فإذا جاء أمرنا } .

" الثالث " : العذاب ومنه { لما قضي الأمر } .

" الرابع " : عيسى ومنه { فإذا قضي أمرا } أي أوجد عيسى عليه السلام .

" الخامس " : القتل ومنه { فإذا جاء أمر الله } .

" السادس " : فتح مكة { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره }

" السابع " : قتل بني قريظة وجلاء النضير ومنه { فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } .

" الثامن " : القيامة ومنه { أتى أمر الله } .

" التاسع " : القضاء ومنه { يدبر الأمر } .

" العاشر " : الوحي ومن { يتنزل الأمر بينهن } .

" والحادي عشر " : أمر الخلائق منه { ألا إلى الله تصير الأمور } .

" والثاني عشر " : النصر ومنه { هل لنا من الأمر من شيء } .

" والثالث عشر " : الذنب ومنه { فذاقت وبال أمرها } .

" والرابع عشر " : الشأن ومنه { وما أمر فرعون برشيد } هكذا أورد هذه المعاني بأطول من هذا بعض المفسرين ، وليس تحت ذلك كثير فائدة ، فإطلاقه على الأمور المختلفة لصدق اسم الأمر عليها .

{ فإنما يقول له كن فيكون } الظاهر في هذا المعنى الحقيقي ، وأنه يقول سبحانه هذا اللفظ وليس في ذلك مانع ولا جاء ما يوجب تأويله ، ومنه قوله تعالى { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } وقال تعالى { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وقال { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } وقد قيل أن ذلك مجاز وأنه لا قول ، وإنما هو قضاء يقضيه فعبر عنه بالقول ، وقال البيضاوي ليس المراد حقيقة أمر وامتثال ، بل تمثيل حصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع بلا توقف انتهى ، وهذا من أنفاسه الفلسفية وكم له من أشباه ذلك وامتثاله . {[122]}


[122]:وقد استدل العلماء على قدم القرآن بقوله {كن} فقالوا: لو كانت {كن} مخلوقة لافترقت إلى إيجادها بمثلها وتسلل ذلك. والمتسلسل محال... فإذا قيل: هذه خطاب لمعدوم فالجواب: أنه خطاب تكوين يظهر أثر القدرة ويستحيل أن يكون المخاطب موجودا – زاد المسير1/137/،138