نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُمۡ يَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (113)

ولما أبطل دعوى اختصاصهم بالرحمة{[4482]} قدحاً منهم في غيرهم{[4483]} وأثبتها للمحسنين أتبع ذلك{[4484]} قدح كل فريق منهم في الآخر و{[4485]}بيان انتفائها عنهم بإساءتهم بإبطال كل فرقة منهم دعوى الأخرى مع ما يشهد به كتاب كل من بطلان قوله فقال : { وقالت اليهود ليست }{[4486]} أنث{[4487]} فعلهم لضعف قولهم وجمع أمرهم { النصارى على شيء } أي يعتد به لكونه صحيحاً ، وليس مخففة{[4488]} من وزن فرح{[4489]} ، ومعناها مطلق النفي لمتقدم إثبات أو مقدره - قاله الحرالي{[4490]} . { وقالت النصارى } كذلك{[4491]} { ليست اليهود على شيء }{[4492]} فعجب منهم في هذه الدعوى{[4493]} العامة لما قبل التبديل والنسخ وما بعده بقوله : { وهم }{[4494]} أي والحال أنهم{[4495]} { يتلون الكتاب } أي مع أن{[4496]} في كتاب كل منهم حقية أصل دين الآخر .

ثم شبه بهم في نحو هذا القول الجهلة الذين ليس لهم كتاب الذين هم عندهم ضلال ، وفي ذلك غاية العيب لهم لتسوية حالهم مع علمهم بحال الجهلة في القطع في الدين بالباطل كما سوى حالهم بهم في الحرص على الحياة في الدنيا ومنهم عبدة الأصنام الذين منهم العرب الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم من بلده ومنعوه من مسجد أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام الذي{[4497]} هو الحقيق به{[4498]} دونهم ، وساق ذلك جواب سائل كأنه قال : هذا قول العلماء بالكتاب فما حال من لا علم له ؟ فقال : { كذلك } أي مثل هذا القول البعيد عن القصد { قال الذين لا يعلمون } {[4499]}ولما كان صدور هذا من أهل العلم في غاية الغرابة وصدوره من الجهلة أغرب نبه تعالى{[4500]} على أن{[4501]} سامعه جدير بأن يقول لعده له عداد ما لا يصدق : كيف قال الجهلة ؟ فقال أو يقال : ولما كان قولهم هذا لا يكاد يصدق من شدة غرابته كان كأنه قيل : أحق كان هذا منهم حقيقة أم كنى به عن{[4502]} شيء آخر{[4503]} ؟ فأجيب{[4504]} بقوله :

{ كذلك } أي الأمر كما ذكرنا عنهم حقيقة لا كناية عن شيء غيره ، فلما استقر في النفس كان كأنه قيل : هل وقع هذا لأحد غيرهم ؟ فقيل : نعم ، وقع أعجب منه وهو أنه قال الجهلة " {[4505]}كعبدة الأصنام والمعطلة{[4506]} " { مثل قولهم } فعاندوا وضللوا المؤمنين أهل العلم بالكتاب الخاتم الذي لا كتاب مثله{[4507]} وضللوا أهل كل دين{[4508]} .

ولما وقع الخلاف بين هذه الفرق تسبب عنه حكم الملك الذي لم يخلقهم سُدى بينهم فقال : { فالله } " {[4509]}الملك الأعظم{[4510]} " { يحكم بينهم } والحكم قصر المصرَف على بعض ما يتصرف فيه وعن بعض ما تشوّف{[4511]} إليه - {[4512]}قاله الحرالي{[4513]} . وحقق أمر البعث بقوله : { يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } والآختلاف افتعال من الخلاف وهو تقابل{[4514]} بين رأيين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه - قاله الحرالي{[4515]} .


[4482]:ليست في ظ
[4483]:ليست في ظ
[4484]:ليست في ظ، وفي م "الأجر" مكان "الآخر" كذا.
[4485]:ليست في ظ، وفي م، وفي م "الأجر" مكان "الآخر" كذا.
[4486]:العبارة من هنا إلى "أمرهم" ليست في ظ وإلى "صحيحا" ليست هنا في مد بل أخرت عن "الحرالي" ولفظها {النصارى على شيء} أي يعتد به لكونه صحيحا أنث فعلهم لضعف قولهم وجميع أمرهم
[4487]:وقع في م: أنس –كذا بالسين محرفا
[4488]:في الأصل: محففة، وفي م ومد، مخففة -كذا
[4489]:في ظ: قزح، وفي مد: فرح
[4490]:وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 1/ 352: قيل المراد عامة اليهود وعامة النصارى، فهذا من الإخبار عن الأمم السالفة وتكون "أل"، للجنس ويكون في ذلك تقريع لمن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفريقين وتسلية له صلى الله عليه وسلم إذ كذبوا بالرسل وبالكتب قبله، وقيل المراد يهود المدينة ونصارى نجران حيث، تماروا عند الرسول وتسابوا وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوة عيسى وأنكرت النصارى التوراة ونبوة موسى، فتكون حكاية حال و"أل" للعهد والمراد بذلك رجلان رجل من اليهود يقال له نافع بن حرملة قال لنصارى نجران: لستم على شيء، وقال رجل من نصارى نجران لليهود: لستم على شيء، فيكون قد نسب ذلك للجميع حيث وقع من بعضهم، كما يقال: قتل بنو تميم، وإنما قتله واحد منهم، وذلك على سبيل المجاز والتوسع؛ ونسبة الحكم الصادر من واحد إلى الجمع وهو طريق معروف عند العرب في كلامها نثرها ونظمها
[4491]:ليس في ظ
[4492]:زيد في مد: أي لنسخ ديننا لدينهم وتعجب
[4493]:ي ظ: الدعوة.
[4494]:يست في ظ
[4495]:يست في ظ
[4496]:يس في مد
[4497]:ي الأصل: الذين، والتصحيح من م و ظ ومد
[4498]:ي ظ: بهم
[4499]:وفي المحيط 1/ 353: {والذين لا يعلمون} هم مشركو العرب في قول الجمهور، وقيل: مشركو العرب في قول الجمهور، وقيل، مشركو قريش، وقال عطاء: أمم كانوا قبل اليهود والنصارى؛ وقال قوم: المراد اليهود وكأنه أعيد قولهم أي قال اليهود مثل اليهود مثل قول النصارى ونفى عنهما العلم حيث لم ينتفعوا به فجعلوا لا يعلمون؛ والظاهر القول الأول، وقال الزمخشري: أي مثل وذلك الذي سمعت على ذلك المنهاج قال الجهلة الطين لا علم عندهم ولا كتاب كعبدة الأصنام والمعطلة ونحوهم قالوا لكل أهل دين: ليسوا على شيء، وهو توبيخ عظيم لهم حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم.
[4500]:في م: بأن
[4501]:في م: بأن
[4502]:في م: مرا- كذا
[4503]:ليس في ظ
[4504]:في م و ظ: وأجيب
[4505]:ليست في ظ
[4506]:ليست في ظ
[4507]:ليست في ظ
[4508]:ليس في ظ
[4509]:ليست في ظ
[4510]:ليست في ظ
[4511]:من مد و ظ، وفي الأصل: شوف –كذا، وفي م: يشوف
[4512]:ليس في مد
[4513]:ليس في مد
[4514]:من مد، وفي الأصل و ظ: يقابل –كذا، وفي م: يقابل.
[4515]:وقال أبو حيان الأندلسي: وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة أشياء، منها افتتاحها بحسن النداء وإثبات وصف الإيمان لهم وتنبيههم على تعلم أدب من آداب الشريعة بأن نهوا عن قول لفظ لإيهام ما إلى لفظ أنص في المقصود وأصرح في المطلوب