الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُمۡ يَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (113)

قوله : ( وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ( {[3610]} ) ) [ الآية : 112 ] . نزلت في قوم من أهل الكتابين( {[3611]} ) تخاصموا عند النبي [ عليه السلام ]( {[3612]} ) فكفر بعضهم بعضاً ، فأخبرنا الله أنه قد فعل هذا من كان قبلهم ممن لا يعلم ، وأنهم فعلوا ذلك وهم يجدون في كتبهم كذبهم فيما يقولون لأن كتب الله تعالى يصدق بعضها( {[3613]} ) بعضاً ، فلذلك قال تعالى : ( وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ ) . فهؤلاء قالوه( {[3614]} ) وهم يعلمون أنهم كاذبون لأن في كتاب كل واحد منهم الأمر بالإيمان بالآخر( {[3615]} ) وبمن جاء به( {[3616]} ) . و( الذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) أمم كانت قبلهم .

وقيل : عني بذلك الجاهلية في العرب ، قالو : ليس محمد على شيء( {[3617]} ) .

وقيل : قالوا : ليست اليهود على شيء ولا النصارى على شيء( {[3618]} ) .

وقيل : إنهم قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا . فالذين من قبلهم قالوه وهم غير عالمين ، وهؤلاء/ قالوا من علم لأن( {[3619]} ) ما قالوا( {[3620]} ) كذب .

ومعنى قولهم : ( لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ ) ، ( لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ) [ آية 113 ] : إنما أرادوا أنهم ليسوا على شيء( {[3621]} ) [ مذ دانوا ]( {[3622]} ) ، ولم يريدوا ليسوا على شيء الساعة لأنهم لو أرادوا ذلك لكانوا صادقين في قولهم ، إذ كل فريق منهم قد جحد( {[3623]} )/ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنه نبي ويجده( {[3624]} ) في كتابه ، فهو في ذلك الوقت ليس على شيء( {[3625]} ) لأن من جحد آية من كتاب الله فقد( {[3626]} ) جحده كله . فإنما أراد : قال كل فريق منهم : ليس هؤلاء على شيء من دانوا( {[3627]} ) ، ومنذ أنزل عليهم الكتاب [ لا أنهم ]( {[3628]} ) أرادوا في الوقت الذي وقع فيه التنازع خاصة لأن ذلك لو كان لكانوا صادقين فيما قالوا ، ولأنهم لو أرادوا ذلك لكفر كل واحد نفسه على لسانه ، لأن جميعهم جاحد لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا قال فريق : ليس هؤلاء على شيء ، واعتقادهم/ واحد في محمد صلى الله عليه وسلم( {[3629]} ) . فكأنه قال : ليس نحن على شيء . إلى هذا يؤول الكلام لو( {[3630]} ) حمل على أنهم أرادوا الوقت الذي تخاصموا فيه ، وإنما أرادوا من تقدم قبل( {[3631]} ) محمد [ صلى الله عليه وسلم ]( {[3632]} ) فأكذبهم( {[3633]} ) الله عز وجل لأن أوائلهم قد كانوا على شيء . ولو أرادوا الزمان الذي بعث فيه محمد صلى الله عليه وسلم لم( {[3634]} ) يكذبهم الله في ذلك لأنهم كانوا على غير شيء إذ جحدوا ما عرفوا وبدلوا وغيروا وأنكروا ما في كتابهم ، وجعل الله تعالى( {[3635]} ) هذه الآية تحذيراً لئلا يُختلف في القرآن ، لأن اختلافهم أخرجهم إلى الكفر ، فحُذِّر المسلمون من ذلك .

قوله : ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) [ 112 ] : أي : يفصل .

وقيل : معناه يريهم( {[3636]} ) من يدخل الجنة عياناً ، ومن يدخل النار عياناً( {[3637]} ) .

وسميت الآخرة القيامة لأن فيها يقوم الخلق كلهم من قبورهم( {[3638]} ) .


[3610]:- سقط قوله: "على شيء" من ع1، ع2، ح، ق.
[3611]:- في ع1، ق، ع3: الكتابيين.
[3612]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[3613]:- في ع3: بعضهم. وهو خطأ.
[3614]:- في ع2، ق، ع3: قالوا.
[3615]:- في ع1، ح، ق: الآخرة.
[3616]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 2/514-515، والمحرر الوجيز 1/332، وتفسير ابن كثير 1/155.
[3617]:- انظر: جامع البيان 2/517.
[3618]:- وهو قول الربيع في جامع البيان 2/514.
[3619]:- في ع2، ق، ع3: بأن.
[3620]:- في ع3: قالوه.
[3621]:- قوله: (لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ) ساقط من ق، ع3.
[3622]:- في ق: منذ دانوا. وفي ع3: منذ دنوا.
[3623]:- في ع2، ع3: جحدوا.
[3624]:- في ع3: ويجحده. وهو تحريف.
[3625]:- في ق: شيء محمد.
[3626]:- في ع3: قد.
[3627]:- في ع3: دانوا. وفي ق: كانوا.
[3628]:- في ق: ع3: لأنهم. وهو تحريف.
[3629]:- سقط قوله: "فإذا قال...صلى الله عليه وسلم" من ع2، ع3.
[3630]:- في ع2: أو وهو تحريف.
[3631]:- في ع3: من قبل.
[3632]:- في ح: صلى الله عليه.
[3633]:- في ع2، ع3: وأكذبهم.
[3634]:- سقط من ق.
[3635]:- سقط من ع2، ع3.
[3636]:- في ع2، ع3: يريد. وفي ق: يراهم.
[3637]:- وهو قول الزجاج في المحرر الوجيز 1/333.
[3638]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 2/518.