فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِي لَا يَرۡجُونَ نِكَاحٗا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَٰتِۭ بِزِينَةٖۖ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٞ لَّهُنَّۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (60)

{ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء } المراد بهن العجائز اللاتي قعدن عن الحيض ، أو عن الاستمتاع ، أو عن الولد من الكبر ، فلا يلدن ولا يحضن واحدتها قاعد ، بلا هاء ليدل حذفها على أنه قعود الكبر ، كما قالوا امرأة حامل ليدل حذف الهاء على أنه حمل حبل ويقال قاعدة في بيتها ، وحاملة على ظهرها ، قال الزجاج : هن اللاتي قعدن عن التزويج وهو معنى قوله :

{ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } أي لا يطمعن فيه لكبرهن ، وقال أبو عبيدة : اللاتي قعدن عن الولد وليس هذا بمستقيم ، لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتع . وقيل هن العجائز اللواتي إذا رآهن الرجال استقذروهن . فأما من كانت فيها بقية جمال ، وهي محل الشهوة فلا تدخل في حكم هذه الآية ، ثم ذكر سبحانه حكم القواعد فقال :

{ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } التي تكون على ظاهر البدن كالجلباب ، والرداء الذي فوق الثياب ، والقناع الذي فوق الخمار ، ونحوها ، لا الثياب إلى العورة الخاصة ، والخمار . وإنما جاز لهن ذلك لانصراف الأنفس عنهن ، إذ لا رغبة للرجال فيهن ، فأباح الله سبحانه لهن ما لم يبحه لغيرهن . وعن ابن عباس في الآية قال : هي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار ، وتضع عنها الجلباب ، ما لم تتبرج بما كرهه الله . وعنه أنه كان يقرأ أن يضعن من ثيابهن ، ويقول : هو الجلباب ، وعن ابن عمر قال : تضع الجلباب ، وعن ابن مسعود مثله ، وزاد الرداء ، ثم استثنى حالة من حالاتهن فقال :

{ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } أي غير مظهرات للزينة التي أمرن بإخفائها في قوله { ولا يبدين زينتهن } لينظر إليهن الرجال ، أو زينة خفية كقلادة ، وسوار وخلخال . والتبرج التكشف ، والظهور للعيون والتكليف في إظهار ما يخفي وإظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال ، ومنه بروج مشيدة ، وبروج السماء . ومنه قولهم سفينة بارجة أي لا غطاء عليها .

{ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } أي وأن يتركن وضع الثياب ، ويطلبن العفة عنه ، وقرئ بغير السين { خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي كثير السماع ، والعلم بليغهما .