فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا } هذه الجملة مستأنفة لتقرير ما سبق من ذكر التفاوت بين عاقبتي الفريقين ومن في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف . قال الكسائي : والتقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات . قال : ويدل عليه قوله فلا تذهب الخ . قال : وهذا كلام عربي ظريف لا يعرفه إلا القليل وقال الزجاج : تقديره كمن هداه ، وقدره غيرهما كمن لم يزين له ، وهذا أولى لموافقته لفظا ومعنى ، وقد وهم صاحب الكشاف فحكى عن الزجاج ما قاله الكسائي . قال النحاس : والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره من الدلائل على المحذوف ، والمعنى أن الله عز وجل نهى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم كما قال :فلعلك باخع نفسك قبل التقدير : أفمن زين الخ تريد أن تهديه إنما ذلك إلى الله لا إليك والذي إليك هو التبليغ .

وقال قتادة والحسن : الشيطان زين لهم هي والله الضلالات وقيل نفسه الأمارة وهواه القبيح ، وهو من إضافة الصفة للموصوف أي عمله السيئ قال ابن عباس : نزلت في أبي جهل ومشركي مكة ، وقيل : نزلت في أصحاب الأهواء والبدع ومنهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ، وليس أصحاب الكبائر من الذنوب منهم لأنهم يعتقدون تحريمها مع ارتكابهم إياها .

{ فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء } مقررة لما قبلها ومحققة للحق ببيان أن الكل بمشيئته أي يضل من يشاء أن يضله ويهدي من يشاء أن يهديه وهذه الآية ترد على القدرية قولهم .

{ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } أي لا تحزن عليهم . قرئ : بفتح الفوقية والهاء مسندا إلى النفس فيكون من باب لا أرينك ههنا أي لا تتعاط أسباب ذلك ، وقرئ بضم التاء وكسر الهاء ونصب نفسك أي فلا تهلكها عليهم أي على عدم إيمانهم .

وقوله حسرات مفعول لأجله والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه على كثرة قبائحهم الموجبة للتأسف والتحسر عليهم ، ويجوز أن ينتصب حسرات على الحال كأنها صارت كلها حسرات لفرط التحسر ، كما روي عن سيبويه ، وقال المبرد : إنها تمييز ، وعليهم صلة لتذهب كما يقال : هلك عليه حبا ، ومات حزنا والحسرة شدة الحزن وهم النفس على ما فات من الأمر وأشد التلهف على الشيء الفائت ، تقول : حسر على الشيء من باب طرب وحسره أيضا فهو حسير .

{ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } لا تخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية ؛ والجملة تعليل لما قبلها مع تضمنته من الوعيد الشديد .