فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا} (142)

{ إن المنافقين يخدعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ( 142 ) }

{ إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم ، وقد تقدم معنى الخدع في البقرة ومخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية .

ومعنى كون الله خادعهم أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه وذلك بأنه تركهم على ما هم عليه من التظهر بالإسلام في الدنيا فعصم به أموالهم ودماءهم ، وأخر عقوبتهم إلى الدار الآخرة فجازاهم على خداعهم بالدرك الأسفل من النار .

قل في الكشاف : والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه وقال الحسن : في قوله { يخادعون الله } يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنين بنورهم ، فتلك خديعة الله إليهم ، وعن السدي ومجاهد وسعيد بن جبير نحوا نحوه ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير فإن مثله لا ينقل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

{ وإذا قاموا إلى الصلاة } مع المؤمنين { قاموا كسالى } جمع كسلان والمراد أنهم يصلون وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا ، وقرئ كسلى والكسل الفتور والتواني وأكسل إذا جامع ولم ينزل وفتر .

{ يراؤون الناس } أي لا يقومون إلى الصلاة إلا لأجل الرياء والسمعة لا لأجل الدين ، قال قتادة : والله لولا الناس ما صلى منافق ، والرياء إظهار الجميل ليراه الناس لا لإتباع أمر الله وقد تقدم بيانه ، والمراآة المفاعلة قاله الزمخشري والجملة حال وقيل استئناف وقيل بدل وفيه نظر .

{ ولا يذكرون الله إلا } ذكرا { قليلا } أو لا يصلون إلا صلاة قليلة ، ووصف الذكر بالقلة لعدم الإخلاص أو لكونه غير مقبول أو لكونه قليلا في نفسه ، لأن الذي يفعل الطاعة لقصد الرياء إنما يفعلها في المجامع ولا يفعلها خاليا كالمخلص ، قال ابن عباس : إنما قل ذلك لأنهم يفعلونه رياء سمعة ولو أرادوا بذلك القليل وجه الله لكان كثيرا .

عن ابن جريج في الآية قال نزلت في عبد الله بن أبي وأبي عامر بن النعمان ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق وأنه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا{[558]} .


[558]:أخرج الإمام مسلم1/451 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوها ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجل فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار", وفي "المسند" عن أبي هريرة رضي الله عنه "ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار" وروى الإمام مالك في "الموطأ" 1/220 عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا" ورواه مسلم1/434، والترمذي1/301، والنسائي1/254.