فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب195

( فاستجاب لهم ربهم ) الاستجابة بمعنى الإجابة وقيل الإجابة عامة والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول ، وهذا الفعل يتعدى بنفسه وباللام ، يقال استجابة واستجاب له ، وإنما ذكر سبحانه الاستجابة وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة لأنها منه ، إذ من أجيبت دعوته فقد رفعت درجته .

( أني لا أضيع عمل عامل منكم ) أي أعطاهم ما سألوه وقال لهم إني لاأحبط عملكم أيها المؤمنون بل أثيبكم عليه ، والمراد بالإضاعة ترك الإثابة ( من ذكر او أنثى ) " من " بيانية مؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم .

( بعضكم من بعض ) أي رجالكم مثل نسائكم في ثواب الطاعة والعقاب ونساؤكم مثل رجالكم فيهما ، وقيل في الدين والنصرة والموالاة ، والأول أولى ، والجملة معترضة أو مستأنفة لبيان كون كل منهما من الآخر ما أجمل في قوله ( إني لا أضيع عمل عامل منكم ) .

( فالذين هاجروا ) من أوطانهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزمخشري :هذا تفضيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم ، قال الكرخي :والظاهر ان هذه الجمل التي بعد الموصول كلها صفات له ، فلا يكون الجزاء إلا لمن جمع هذه الصفات ، ويجوز ان يكون ذلك على التنويع ؛ وقد يكون حذف الموصولات لفهم المعنى فيكون الخبر بقوله لأكفرن عن كل من اتصف بواحدة من هذه الصفات{[398]} .

( وأخرجوا من ديارهم ) في طاعة الله عز وجل ( وأوذوا في سبيلي ) آذاهم المشركون بسبب إسلامهم وهم المهاجرون ( وقاتلوا ) أعداء الله ( وقتلوا ) في سبيل الله ، وقرئ على التكثير وقرئ وقتلوا وقاتلوا ؛ وأصل الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب كما قال به الجمهور ؛ والمراد هنا انهم قاتلوا وقتل بعضهم ، والسبيل الدين الحق والمراد هنا ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله وعملهم بما شرعه الله لعباده .

( لأكفرن عنهم سيآتهم ) أي والله لأغفرنها لهم ( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله ) يعني تكفير سيآتهم وإدخالهم الجنة ( والله عنده حسن الثواب ) وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله ، من ثاب يثوب إذا رجع{[399]} ، وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة .


[398]:روي عن ام سلمة انها قالت: يا رسول الله لا اسمع ذكر النساء في الهجرة بشئ فنزلت هذه الآية. رواه ابن جرير الطبري 7/195. رواه الحاكم في المستدرك 2/300 وقال صحيح على شرط النجاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
[399]:زاد المسير/531.