فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (7)

ثم ذكر أحوال حملة العرش ومن حوله فقال :

{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } الموصول مبتدأ وخبره قوله : { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا } والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببيان أن هذا الجنس من الملائكة الذين هم أعلى طبقاتهم ، وأولهم وجودا يضمون إلى تسبيحهم لله ، والإيمان به الاستغفار للذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا . وفيه دليل على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة والشفقة ، وإن تباعدت الأجناس وشطت الأماكن ، والمراد بمن حول العرش هم الملائكة الذين يطوفون به مهللين مكبرين ، وهم الكروبيون ، وهو في محل رفع عطفا على الذين الخ وهذا هو الظاهر ، وقيل : يجوز أن يكون في محل نصب عطفا على العرش والأول أولى .

والمعنى أن الملائكة الذين يحملون العرش وكذلك الملائكة الذين هم حول العرش ينزهون الله متلبسين بحمده على نعمه ، ويؤمنون بالله ببصائرهم ، ويستغفرون الله لعباده المؤمنين به ، وأخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله ، وتعظيما لأهله ، ومساق الآية لذلك وهم اليوم أربعة ، فإذا كان يوم القيامة أردفهم الله تعالى بأربعة أخر ، كما قال تعالى :

{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } وهم أشرف الملائكة وأفضلهم ، لقربهم من الله عز وجل ، " وهم على صورة الأوعال ، والعرش فوق ظهورهم " ، ذكره القشيري وأخرجه الترمذي من حديث ابن عباس ، واستفيد منه أن حمل الملائكة للعرش على ظهورها .

وقد وردت في بيان مسافة أظلافهم إلى ركبهم وأرجلهم وأقدامهم وما بين شحمة أذنهم إلى عاتقهم وألفاظ تسبيحهم أخبار وآثار ، وكذا في صفة العرش وبعد ما بين السماء السابعة وبين العرش ، والمعول عليه منها ما ورد في الصحيح ثم بين سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال حاكيا عنهم .

{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا } أي وسع رحمتك كل شيء ، وعلمك كل شيء ، وتقدير الرحمة على العلم لأنها المقصودة بالذات ههنا ، قاله البيضاوي وأبو السعود ، لأن المقام مقام الاستغفار ، وإلا فالعلم متقدم ذاتا { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا } أي أوقعوا التوبة عن الذنوب ، أو عن الشرك وإن كان عليهم ذنوب .

{ وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ } وهو دين الإسلام { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } أي احفظهم منه واجعل بينهم وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة ، وتتم نعمتك فإنك وعدت من كان كذلك بذلك ، ولا يبدل القول لديك ، وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء ، وأن الخلق عبيدك .