فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

{ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن } أي اذكر إذ وجهنا إليك نفرا منهم وبعثناهم إليك ، وأقبلنا بهم نحوك والنفر دون العشرة { يستمعون القرآن } صفة ثانية لنفر أو حال ، لأن النكرة قد تخصصت بالصفة الأولى .

عن ابن مسعود قال : هبطوا يعني الجن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا : أنصتوا قالوا صه ، وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله : وإذا صرفنا إلى قوله ضلال مبين " .

وعن الزبير قال : إذ صرفنا إليك نفرا من الجن بنخلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة كادوا يكونون عليه لبدا وكانوا تسعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم " وعنه قال " أتوه ببطن نخلة " ، وعنه قال : صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين وكانوا أشراف الجن بنصيبين ، وهي قرية من اليمن وجنها أشرف الجن وسادتهم " ، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سروق قال : سألت ابن مسعود من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن قال آذنته بهم الشجرة " {[1485]} .

وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال قلت لابن مسعود هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم أحد ليلة الجن ؟ قال : ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير ما فعل ؟ قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حراء ، فأخبرناه فقال إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم " .

وأخرج أحمد عنه قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وقد روي نحو هذا من طرق والجمع بين الروايات بالحمل على قصتين وقعتا منه صلى الله عليه وسلم مع الجن حضر إحداهما ابن مسعود ولم يحضر في الأخرى وقد وردت أحاديث كثيرة أن الجن بعد هذا وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة وأخذوا عنه الشرائع وذكر سليمان الجمل في سبب هذه الواقعة قولين من الخطيب والخازن لا حاجة بنا إلى ذكرهما فإنهما ليسا من التفسير في شيء .

{ فلما حضروه } أي حضروا القرآن عند تلاوته وقيل حضروا النبي صلى الله عليه وسلم ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة والأول أولى { قالوا أنصتوا } أي اسكتوا أمر بعضهم بعضا لأجل أن يسمعوا .

{ فلما قضي } قرأ الجمهور مبنيا للمفعول أي فرغ من تلاوته وقرئ مبنيا لفاعل أي فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من تلاوته والأولى تؤيد أن الضمير في حضروه القرآن والثانية تؤيد أنه للنبي صلى الله عليه وسلم .

{ ولوا إلى قومهم منذرين } أي انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن ، ومحذرين لهم وانتصاب منذرين على الحال المقدرة أي مقدرين الإنذار وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يهودا وقد أسلموا والجن لهم ملل مثل الإنس ففيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام ، وفي مسلميهم مبتدعة ، ومن يقول بالقدر وخلق القرآن ونحو ذلك من المذاهب والبدع قاله الخازن .


[1485]:روي بألفاظ كثيرة –البخاري 2/210-8/513 ومسلم 1/331 السيوطي في الدر 6/270 أحمد/4149.