فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ واعلموا أن فيكم رسول الله } فلا تقولوا قولا باطلا ولا تتسرعوا عند وصول الخبر إليكم من غير تبين ، فإن الله يخبره فينهتك ستر الكاذب ، أو فارجعوا إليه واطلبوا رأيه ، ثم قال مستأنفا : { لو يطيعكم في كثير من الأمر } أي : مما تخبرونه من الأخبار الباطلة ، وتشيرون به عليه من الآراء التي ليست بصواب { لعنتم } أي : لوقعتم في العنت وهو التعب والجهد والإثم والهلاك ، ولكنه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل وضوح وجهه له ، ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر فيه .

عن أبي سعد الخدري أنه قرأ هذه الآية وقال : " هذا نبيكم يوحى إليه ، وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا ، فكيف بكم اليوم ؟ " أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن صحيح غريب .

{ ولكن الله حبب إليكم الإيمان } أي جعله أحب الأشياء إليكم أو محبوبا لديكم ، قلا يقع منكم إلا ما يوافقه ويقتضيه من الأمور الصالحة ، وترك التسرع في الأخبار وعدم التثبت فيها قيل : والمراد بهؤلاء من عدا الأولين لبيان براءتهم عن أوصاف الأولين ، والظاهر أنه تذكير للكل بما يقتضيه الإيمان ، وتوجيه محبته التي جعلها الله في قلوبهم .

{ وزينه } أي حسنه بتوفيقه وقربه منكم وأدخله { في قلوبكم } حتى جريتم إلى ما يقتضيه في الأقوال والأفعال { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } أي : جعل كل ما هو من جنس هذه الثلاثة مكروها عندكم وأصل الفسق الخروج عن الطاعة ، والعصيان جنس ما يعصي الله به ، وقيل : أراد بذلك الكذب خاصة والأول أولى وفي هذه الآية لطيفة وهو أن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الثلاثة الأشياء في مقابلة الإيمان الكامل وهو ما اجتمع فيه ثلاثة أمور ، إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ، فكراهة الكفر في مقابلة محبة الإيمان وتزيينه في القلوب هو التصديق بالجنان ، والفسوق هو الكذب ، في مقابلة الإقرار باللسان ، والعصيان في مقابلة العمل بالأركان .

{ أولئك } الموصوفون بما ذكر { هم الراشدون } يعني أصابوا طرق الحق ، ولم يميلوا عن الاستقامة ، والرشد والاستقامة على طرق الحق مع تصلب ، من الرشادة وهي الصخرة وفيه التفات عن الخطاب { فضلا من الله ونعمة } أي لأجل فضله وإنعامه والمعنى أنه حبب إليكم ما حبب وكره إليكم ما كره لأجل فضله وإنعامه أو جعلكم راشدين لأجل ذلك ، وقيل التقدير تبتغون فضلا ونعمة { والله عليم } بكل معلوم { حكيم } في صنعه وفي كل ما يقضي به بين عباده ويقدره لهم .