فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

{ قل هل أنبئكم بشر من ذالك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل 60 وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون 61 وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون 62 لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون 63 } .

{ قل هل أنبئكم بشر من ذلك } بين الله سبحانه لرسوله أن فيهم من العيب ما هو أولى بالتعييب وهو ما هم عليه من الكفر الموجب للعن الله وغضبه ومسخه ، والمعنى هل أنبئكم أيها اليهود بشر من نقمكم علينا أو بشر مما تريدون بنا من المكروه أو بشر من أهل الكتاب أو بشر من دينهم .

{ مثوبة عند الله } أي جزاء ثابتا وهي مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشر ، ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة { فبشرهم بعذاب أليم } وهي منصوبة على التمييز من بشر { من لعنه الله } أي هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله { وغضب عليه } أي : انتقم منه لأن الغضب إرادة الانتقام من العصاة .

{ وجعل منهم القردة والخنازير } أي مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة ، وكفار مائدة عيسى منهم خنازير{[649]} ، وقال ابن عباس عن الممسوخين كلاهما أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير { وعبد الطاغوت } أي : جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت ، والمعنى وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت ، لأن فعل من صيغ المبالغة كحذر وفطن للتبليغ في الحذر والفطنة ، وقرئ على أن عبد فعل ماض معطوف على غضب ولعن كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت أو معطوف على القردة والخنازير أي جعل منهم عبد الطاغوت حملا على لفظ من .

وقرأ ابن مسعود عبدوا الطاغوت حملا على معناها ، وقرأ ابن عباس عبد كأنه جمع عبد كما يقال سقف وسقف ، ويجوز أن يكون جمع عبيد كرغيف ورغف أو جمع عابد كبازل وبزل ، وقرئ عباد جمع عابد للمبالغة كعامل وعمال ، وقرئ عبد على البناء للمفعول ، والتقدير : وعبد الطاغوت فيهم ، وقرئ عابد الطاغوت على التوحيد ، وقرئ عبدة وأعبد الطاغوت مثل كلب وأكلب ، وقرئ وعبد عطفا على الموصل ، وهي قراءة ضعيفة جدا .

وجملة القرآآت في هذه الآية أربع وعشرون منها اثنتان سبعيتان والباقية شاذة ذكرها السمين ، والطاغوت : الشيطان أو الكهنة أو العجل أو الأحبار أو غيرها مما تقدم مستوفى ، وجملته : أن كل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده وهو الطاغوت .

{ أولئك } أي الموصوفون بالصفات المتقدمة و { شر } هنا على بابه من التفضيل ، والمفضل عليه فيه احتمالان ( أحدهما ) أنهم المؤمنون ( والثاني ) أنهم طائفة من الكفار .

و { مكانا } تمييز لأن مأواهم النار وجعلت الشرارة للمكان وهي لأهله للمبالغة ، ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا { وأضل عن سواء السبيل } أي : هم أضل من غيرهم عن الطريق المستقيم ، قيل : التفضيل في الموضعين للزيادة مطلقا أو لكونهم أشر وأضل ممن يشاركهم في أصل الشرارة والضلال .


[649]:رواه مسلم 4/2051 وأحمد 5/260.