فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (80)

{ وحاجه قومه } أي وقعت منهم المحاججة له في توحيده بما يدل على ما يدعونه من أن ما يشكرون به ويعبدونه من الأصنام آلهة فأجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما حكاه الله عنه أنه { قال أتحاجوني في الله } أي في كونه لا شريك له ولا ند له ولا ضد { وقد هدان } إلى توحيده وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة والجهالة وعدم الهداية .

{ ولا أخاف ما تشركون به } قال هذا لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه أي : إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع ، وإنما يكون الخوف ممن يقدر على النفع والضرر ، والضمير في به يجوز رجوعه إلى الله وإلى معبوداتهم المدلول عليها بما في ما تشركون به .

{ إلا أن يشاء ربي شيئا } أي إلا وقت مشيئة ربي بأن يلحقني شيئا من الضرر بذنب عملته فالأمر إليه وذلك منه لا من معبوداتكم الباطلة التي لا تضر ولا تنفع ، والمعنى على نفي حصول ضرر من معبوداتهم على كل حال ، وإثبات الضرر والنفع لله سبحانه وصدورهما حسب مشيئته ، والاستثناء على هذا متصل لأنه من جنس الأول والمستثنى منه الزمان كما أشار إلى ذلك في الكشاف ، وقيل منقطع بمعنى لكن وعليه جرى ابن عطية والحوفي وهو أحد قولي أبي البقاء والكوشي ، وإليه نحا السيوطي ، قال الحوفي تقديره لكن مشيئة الله إياي بضر أخافها .

ثم علل ذلك بقوله { وسع ربي كل شيء علما } يعني أن علمه محيط بكل شيء فلا يخرج شيء عن علمه قال أبو البقاء : لأم ما يسع الشيء فقد أحاط به ، والعالم بالشيء محيط بعلمه فإذا شاء الخير كان حسب مشيئته ، وإذا شاء إنزال شر بي كان حسب مشيئته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

ثم قال لهم مكملا للحجة عليهم ودافعا لما خوفوه به { أفلا تتذكرون } أي تعتبرون أن هذه الأصنام جمادات لا تضر ولا تنفع ، وأن النافع الضار هو الذي خلق السموات والأرض ومن فيهما .