{ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } ذكر الجهات الأربع لأنها هي التي يأتي منها العدو عدوه ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت ، وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن وإلى الآخريين بعن لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجها إلى ما يأتيه بكلية بدنه والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفا فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء وفي الأخريين بحرف المجاوزة .
وهو تمثيل الوسوسة وتسويله بمن يأتي حقيقة ، وفيه إشارة إلى نوع تباعد منه في هاتين الجهتين لقعود ملك اليمين وملك اليسار فيهما ، وهو ينفر من الملائكة ، وقيل المراد من بين أيديهم من دنياهم ، ومن خلفهم من آخرتهم ، وعن أيمانهم من جهة حسناتهم ، وعن شمائلهم من جهة سيآتهم ، استحسنه النحاس .
قال ابن عباس : أسن لهم المعاصي وأخفى عليهم للباطل ، وعنه قال : من بين أيديهم من قبل الآخرة فأشككهم فيها ، ومن خلفهم من قبل الدنيا فأرغبهم فيها وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي .
وقال الحكم بن عتبة من بين أيديهم أي من قبل الدنيا فأزينها لهم ، ومن خلفهم من قبل الآخرة فأثبطهم عنها ، وعن أيمانهم من قبل الحق فأصدهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل فأزينه لهم .
وقال قتادة : أتاك إبليس يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتيك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله تعالى ، ونحوه عن ابن عباس ولفظه لا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى ، قيل ولا يأتي أيضا من تحتهم إما لأنه متكبر يحب العلو وإما لأن الإتيان منها ينفر ويفزع المأتي وهو يحب تأليفه لا تنفيره فلا يأتي إلا من الجهات الأربع .
قال مجاهد : يأتيهم من الجهات الأربع من حيث لا يبصرون وقيل من بين أيديهم فيما بقي من أعمارهم فلا يقدمون فيه طاعة ، ومن خلفهم فيما مضى من أعمارهم فلا يتوبون عما أسلفوا فيه من معصية ، وعن أيمانهم من قبل الغني فلا ينفقون ولا يشكرون وعن شمائلهم من قبل الفقر فلا يمتنعون فيه من محظور نالوه .
وعن شقيق البلخي ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربع مراصد من بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فأقرأ { وإني لغافر لمن تاب وآمن وعمل صالحا } ومن خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي أي وقوع أولادي في الفقر فأقرأ { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } وعن يميني فيأتيني من قبل الثناء فأقرأ { والعاقبة للمتقين } وعن شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } قال النسفي : ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم لمكان الرحمة والسجدة .
وقيل إن ذكر هذه الجهات الأربع إنما أريد به التأكيد والمبالغة في إلقاء الوسوسة في قلب ابن آدم وأنه لا يقصر في ذلك ، والمعنى يأتيهم من جميع الوجوه الممكنة لجميع الاعتبارات .
{ و } عند أن أفعل ذلك { لا تجد } يا رب { أكثرهم شاكرين } موحدين لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم ، وهذا قاله على الظن فأصاب لقوله تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } لما رأى منهم أن مبدأ الشر متعدد ومبدأ الخير واحد ، وقيل : إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله ، وقيل رآه مكتوبا في اللوح المحفوظ والأول أولى وقيل شاكرين مؤمنين وقيل عبر بالشكر عن الطاعة أو هو على الحقيقة ، وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.