فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا} (29)

{ وأغطش ليلها } الغطش الظلمة بلغة أنمار أي جعله مظلما يقال أغطش الليل وأغطشه الله كما يقال أظلم الليل وأظلمه الله ، ورجل أغطش وامرأة غطشى لا يهتديان .

قال الراغب وأصله من الأغطش وهو الذي في عينه عمش ، ومنه فلاة غطشى لا يهتدي فيها والتغاطش التعامي ، وأضاف الليل إلى السماء لأن الليل يكون بغروب الشمس ، والشمس مضافة إلى السماء .

{ وأخرج ضحاها } أي أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس وعبر عن النهار بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها ، وأضافه إلى السماء لأنه يظهر بظهور الشمس ، وهي منسوبة إلى السماء .

{ والأرض بعد ذلك } أي بعد خلق السماء { دحاها } بسطها يقال دحا يدحو ودحوا ودحى يدحى دحيا أي بسط ومد فهو من ذوات الواو والياء فيكتب بالألف والياء ويقال لعش النعامة أدحى لأنه مبسوط على الأرض ، قال أمية ابن الصلت :

دحوت البلاد فسويتها *** وأنت على طيها قادر

قيل دحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام{[1682]} .

ولا معارضة بين هذه الآية وبين ما تقدم في سورة فصلت من قوله { ثم استوى إلى السماء } بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أولا غير مدحوة ثم خلق السماء ثم دحى الأرض ، وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك ، وقدمنا أيضا في هذا في أول سورة البقرة عند قوله { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } وذكر بعض أهل العلم أن ( بعد ) بمعنى مع كما في قوله { عتل بعد ذلك زنيم } وقيل ( بعد ) بمعنى قبل كقوله { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } أي من قبل الذكر ، والجمع الذي ذكرناه أولى وهو قول ابن عباس وغير واحد واختاره ابن جرير .

وعن ابن عباس أن رجلا قال له آيتان في كتاب الله تخالف إحداهما الأخرى ، فقال إنما أتيت من قبل رأيك قال اقرأ { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ، حتى بلغ ، ثم استوى إلى السماء } .


[1682]:قال ابن كثير 4/ 92: أما خلق الأرض، فقبل خلق السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنهما فيما ذكره البخاري. انظر "صحيح البخاري" 8/ 427، 428. ثم قال ابن كثير 4/ 468: ولكن إنما دحيت الأرض بعد خلق السماء، بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل، قال: وهذا معنى قول ابن عباس وغير واحد، واختاره ابن جرير.