الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

أخرج ابن جرير عن ابن مسعود عن ناس من الصحابة . أنه كان لا يولد لآدم مولود ألا ولد معه جارية ، فكان يزوّج غلام هذا البطن لجارية البطن الآخر ، ويزوّج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر ، حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل ، وكان قابيل صاحب زرع ، وكان هابيل صاحب ضرع ، وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل ، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال : هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوّج بها . فأمره أبوه أن يتزوّجها هابيل فأبى ، وإنهما قَرَّبَا قرباناً إلى الله أيهما أحق بالجارية ، وكان آدم قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها ، فقال آدم للسماء : احفظي ولدي بالأمانة فأبت ، وقال للأرض فأبت ، وقال للجبال فأبت ، فقال لقابيل فقال : نعم ، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك . فلما انطلق آدم قربا قرباناً ، وكان قابيل يفخر عليه فقال : أنا أحق بها منك ، هي أختي وأنا أكبر منك وأنا وصي والدي ، فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة ، وقرب قابيل حزمة سنبل ، فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها ، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي . فقال هابيل { إنما يتقبل الله من المتقين ، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } يقول : إثم قتلي إلى إثمك الذي في عنقك .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر بسند جيد عن ابن عباس قال : نهى أن ينكح المرأة أخاها توأمها ، وأن ينكحها غيره من إخوتها ، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة ، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وأخرى قبيحة ذميمة ، فقال أخو الذميمة : انكحني أختك وأنكحك أختي . قال : لا ، أنا أحق بأختي ، فقربا قرباناً ، فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض وصاحب الزرع بصبرة من طعام ، فتقبل من صاحب الكبش فخزنه الله في الجنة أربعين خريفاً وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم ، ولم يقبل من صاحب الزرع ، فبنو آدم كلهم من ذلك الكافر .

وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر في تاريخه من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال : ولد لآدم أربعون ولداً ، عشرون غلاماً وعشرون جارية ، فكان ممن عاش منهم هابيل ، وقابيل ، وصالح ، وعبد الرحمن ، والذي كان سماه عبد الحارث ، وود ، وكان يقال له شيث ، ويقال له هبة الله ، وكان إخوته قد سودوه ، وولد له سواع ، ويغوث ، ونسر ، وإن الله أمره أن يفرق بينهم في النكاح ، ويزوج أخت هذا من هذا .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان من شأن ابني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه ، وإنما كان القربان يقربه الرجل ، فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا : لو قربنا قرباناً ، وكان أحدهما راعياً والآخر حراثاً ، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه واسمنها ، وقرب الآخر بعض زرعه ، فجاءت النار فنزلت فأكلت الشاة وتركت الزرع ، وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قرباناً فتقبل منك وردَّ عليَّ ؟ فلا والله لا ينظر الناس إليّ وإليك وأنت خير مني ، فقال : لأقتلنك .

فقال له أخوه : ما ذنبي { إنما يتقبل الله من المتقين ، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } لا أنا مستنصر ولأمسكن يدي عنك .

وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : إن ابني آدم اللذين قربا قرباناً ، كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، وأنهما أُمِرَا أن يُقَرِّبَا قرباناً وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه ، وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه الكردن والزوان غير طيبة بها نفسه ، وإن الله تقبل قربان صاحب الغنم ولم يقبل قربان صاحب الحرث ، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه ، وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكنه منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { واتل عليهم نبأ ابني آدم } قال : هابيل وقابيل لصلب آدم ، قرب هابيل عناقاً من أحسن غنمه وقرب قابيل زرعاً من زرعه ، فتقبل من صاحب الشاة ، فقال لصاحبه : لأقتلنك . . . ! فقتله . فعقل الله إحدى رجليه بساقه إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة ، وجعل وجهه إلى اليمن ، حيث دار دارت عليه حظيرة من ثلج في الشتاء ، وعليه في الصيف حظيرة من نار ، ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق } قال : كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه ، وإنما كان القربان في بني إسرائيل وكان أوّل من مات .

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال : لأن استيقن أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها ، إن الله يقول { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن علي بن أبي طالب قال : لا يقل عمل مع تقوى ، وكيف يقل ما يتقبل ؟ . . .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز . أنه كتب إلى رجل : أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا عليها ، ولا يثيب إلا عليها ، فإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن يزيد العيص : سألت موسى بن أعين عن قوله عز وجل { إنما يتقبل الله من المتقين } قال : تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام ، فسماهم الله متقين .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن فضالة بن عبيد قال : لأن أكون أعلم أن الله يقبل مني مثقال حبة من خردل ، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها ، فإن الله يقول { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا عن قتادة قال : قال عامر بن عبد قيس آية في القرآن أحب إليّ من الدنيا جميعاً أن أعطاه أن يجعلني الله من المتقين ، فإنه قال { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن همام بن يحيى قال : بكى عامر بن عبد الله عند الموت فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : آية في كتاب الله . فقيل له : أيّة آية ؟ ! قال { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ثابت قال : كان مطرف يقول : اللهم تقبَّل مني صيام يوم ، اللهم اكتب لي حسنة ، ثم يقول { إنما يتقبل الله من المتقين } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في قوله { إنما يتقبل الله من المتقين } قال : الذين يتقون الشرك .

وأخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال : دخل سائل إلى ابن عمر فقال لابنه : اعطه ديناراً فأعطاه ، فلما انصرف قال ابنه : تقبل الله منك يا أبتاه فقال : لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت ، تدري ممن يتقبل الله ؟ { إنما يتقبل الله من المتقين } .