الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (42)

أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت } وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت } قال : تلك أحكام اليهود يسمع كذبه ويأخذ رشوته .

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال : السحت الرشوة في الدين . قال سفيان : يعني في الحكم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمته أو يرد عليه حقاً ، فأهدى له هدية فقبلها فذلك السحت . فقيل : يا أبا عبد الرحمن إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم ، فقال عبد الله : ذلك الكفر { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [ المائدة : 44 ] .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في سننه عن ابن عباس أنه سئل عن السحت فقال : الرشا . قيل : في الحكم ؟ قال : ذلك الكفر ، ثم قرأ { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [ المائدة : 44 ] .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود أنه سئل عن السحت ، أهو الرشوة في الحكم ؟ قال : لا . { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [ المائدة : 45 ] الفاسقون ، ولكن السحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله ، فذلك السحت .

وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال : قلت لعمر بن الخطاب : أرأيت الرشوة في الحكم ، أمن السحت هي ؟ قال : لا ، ولكن كفراً ، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة ويكون إلى السلطان حاجة ، فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « رشوة الحكام حرام ، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به . قيل : يا رسول الله ، وما السحت ؟ قال : الرشوة في الحكم » .

وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت . أنه سئل عن السحت فقال : الرشوة .

وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب . أنه سئل عن السحت فقال : الرشا . فقيل له : في الحكم ؟ قال : ذاك الكفر .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر قال : بابان من السحت يأكلهما الناس . الرشا في الحكم ، ومهر الزانية .

وأخرج أبو الشيخ عن علي قال : أبواب السحت ثمانية : رأس السحت رشوة الحاكم ، وكسب البغي ، وعَسَبُ الفحل ، وثمن الميتة ، وثمن الخمر ، وثمن الكلب ، وكسب الحجام ، وأجر الكاهن .

وأخرج عبد الرزاق عن طريف قال : مر علي برجل يحسب بين قوم بأجر ، وفي لفظ : يقسم بين ناس قسماً فقال له علي : إنما تأكل سحتاً .

وأخرج الفريابي وابن جرير عن أبي هريرة قال : من السحت مهر الزانية ، وثمن الكلب إلا كلب الصيد ، وما أخذ من شيء في الحكم .

وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « هدايا الأمراء سحت » .

وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ست خصال من السحت : رشوة الإمام وهي أخبث ذلك كله ، وثمن الكلب ، وعسب الفحل ، ومهر البغي ، وكسب الحجام ، وحلوان الكاهن » .

وأخرج عبد بن حميد عن طاوس قال : هدايا العمال سحت .

وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن سعيد قال « لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر أهدوا له فروة ، فقال : سحت » .

وأخرج عبد الرزاق والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي » .

وأخرج أحمد والبيهقي عن ثوبان قال : « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش ، يعني الذي يمشي بينهما » .

وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبوا أو كرهوا جيء به مغلولة يده ، فإن عدل ولم يرتش ولم يحف فك الله عنه ، وإن حكم بغير ما أنزل الله ارتشى وحابى فيه شدت يساره إلى يمينه ثم رمي في جهنم ، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام » .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ستكون من بعدي ولاة يستحلون الخمر بالنبيذ ، والبخس بالصدقة ، والسحت بالهدية ، والقتل بالموعظة ، يقتلون البريء لتوطى العامة لهم فيزدادوا إثماً » .

وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من السحت : كسب الحجام ، وثمن الكلب ، وثمن القرد ، وثمن الخنزير ، وثمن الخمر ، وثمن الميتة ، وثمن الدم ، وعسب الفحل ، وأجر النائحة ، وأجر المغنية ، وأجر الكاهن ، وأجر الساحر ، وأجر القائف ، وثمن جلود السباع ، وثمن جلود الميتة ، فإذا دبغت فلا بأس بها ، وأجر صور التماثيل ، وهدية الشفاعة ، وجعلة الغزو » .

وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن شقيق قال : هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت .

وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : آيتان نسختا من هذه السورة - يعني من المائدة - آية القلائد ، وقوله { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت { وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتَّبع أهواءهم } [ المائدة : 49 ] قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا " .

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } قال : نسختها هذه الآية { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } [ المائدة : 49 ] .

وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة . مثله .

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن شهاب . أن الآية التي في سورة المائدة { فإن جاؤوك فاحكم بينهم } كانت في شأن الرجم .

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس " أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } إلى قوله { المقسطين } إنما أنزلت في الدية من بني النضير وقريظة ، وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف يريدون الدية كاملة ، وأن بني قريظة كانوا يريدون نصف الدية ، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق ، فجعل الدية سواء " .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانت قريظة والنضير ، وكان النضير أشرف من قريظة ، فكان إذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدى مائة وسق من تمر ، وإذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة ، فقالوا : ادفعوه إلينا نقتله ، فقالوا : بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه ، فنزلت { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } والقسط . النفس بالنفس ، ثم نزلت { أفحكم الجاهلية يبغون } [ المائدة : 50 ] .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } قال : يوم نزلت هذه الآية كان في سعة من أمره ، إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم ، ثم قال { وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً } قال : نسختها { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } [ المائدة : 49 ] .

وأخرج عبد بن حميد والنحاس في ناسخه عن الشعبي في قوله { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } قال : إن شاء حكم بينهم وإن شاء لم يحكم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم والشعبي قالا : إذا جاؤوا إلى حاكم من حكام المسلمين ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم ، وإن حكم بينهم حكم بما أنزل الله .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء في الآية قال : هو مخيَّر .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في أهل الذمة يرتفعون إلى حكام المسلمين قال : يحكم بينهم بما أنزل الله .

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : أهل الذمة إذ ارتفعوا إلى المسلمين حكم عليهم بحكم المسلمين .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي عن إبراهيم التيمي { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } قال : بالرجم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك في قوله { إن الله يحب المقسطين } قال : المعدلين في القول والفعل .

وأخرج عبد الرزاق عن الزهري في الآية قال : مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم ، إلا أن يأتوا راغبين في حد يحكم بينهم فيه ، فيحكم بينهم بكتاب الله ، وقد قال لرسوله { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } .