قوله : { ضَرَبَ الله مَثَلاً } لما قال سبحانه : { إن الله يعلم } أي : بالمعلومات التي من جملتها كيف يضرب الأمثال ، وأنتم لا تعلمون ؟ علمهم سبحانه كيف تضرب الأمثال ، فقال : { ضرب الله مثلاً } أي : ذكر شيئاً يستدلّ به على تباين الحال بين جناب الخالق سبحانه ، وبين ما جعلوه شريكاً له من الأصنام . ثم ذكر ذلك فقال : { عَبْدًا مَّمْلُوكًا } والمثل في الحقيقة هي حالة للعبد عارضة له ، وهي المملوكية والعجز عن التصرف ، فقوله : { عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيء } تفسير للمثل وبدل منه ، ووصفه بكونه مملوكاً ؛ لأن العبد والحرّ مشتركان في كون كل واحد منهما عبد الله سبحانه ، ووصفه بكونه لا يقدر على شيء ؛ لأن المكاتب والمأذون يقدران على بعض التصرفات . فهذا الوصف لتمييزه عنهما { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } " من " هي الموصولة ، وهي معطوفة على { عبداً } أي : والذي رزقناه { مِنَّا } أي : من جهتنا { رِزْقًا حَسَنًا } من الأحرار الذين يملكون الأموال ويتصرفون بها كيف شاءوا ، والمراد بكون الرزق حسناً : أنه مما يحسن في عيون الناس ، لكونه رزقاً كثيراً مشتملاً على أشياء مستحسنة نفيسة تروق الناظرين إليها . والفاء في قوله : { فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ } لترتيب الإنفاق على الرزق ، أي : ينفق منه في وجوه الخير ويصرف منه إلى أنواع البرّ والمعروف ، وانتصاب { سِرّا وَجَهْرًا } على الحال ، أي : ينفق منه في حال السرّ وحال الجهر . والمراد : بيان عموم الإنفاق للأوقات ، وتقديم السرّ على الجهر مشعر بفضيلته عليه ، وأن الثواب فيه أكثر . وقيل : إن «من » في { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } موصوفة ، كأنه قيل : وحرّاً رزقناه ، ليطابق عبداً . { هَلْ يَسْتَوُونَ } أي : الحرّ والعبد الموصوفان بالصفات المتقدّمة ، وجمع الضمير لمكان من ، لأنه اسم مبهم يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث . وقيل : إنه أريد بالعبد والموصول الذي هو عبارة عن الحرّ الجنس ؛ أي من اتصف بتلك الأوصاف من الجنسين ، والاستفهام للإنكار ، أي : هل يستوي العبيد والأحرار الموصوفون بتلك الصفات مع كون كلا الفريقين مخلوقين لله سبحانه من جملة البشر ، ومن المعلوم أنهم لا يستوون عندهم ، فكيف يجعلون لله سبحانه شركاء لا يملكون لهم ضرّاً ولا نفعاً ، ويجعلونهم مستحقين للعبادة مع الله سبحانه ؟ وحاصل المعنى : أنه كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجل حرّ قد رزقه الله رزقاً حسناً ، فهو ينفق منه ، كذلك لا يستوي الربّ الخالق الرازق ، والجمادات من الأصنام التي تعبدونها ، وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضرّ ولا تنفع . وقيل : المراد بالعبد المملوك في الآية : هو الكافر المحروم من طاعة الله وعبوديته ، والآخر : هو المؤمن . والغرض : أنهما لا يستويان في الرتبة والشرف ، وقيل : العبد : هو الصنم ، والثاني : عابد الصنم ، والمراد : أنهما لا يستويان في القدرة والتصرّف ؛ لأن الأوّل جماد ، والثاني إنسان { الحمد للَّهِ } أي : الحمد لله كله ، لأنه المنعم ، لا يستحق غيره من العباد شيئاً منه ، فكيف تستحق الأصنام منه شيئاً ولا نعمة منها أصلاً لا بالأصالة ولا بالتوسط ؛ وقيل : أراد الحمد لله على ما أنعم به على أوليائه من نعمة التوحيد ؛ وقيل : أراد قل الحمد لله ، والخطاب إما لمحمد صلى الله عليه وسلم أو لمن رزقه الله رزقاً حسناً ، وقيل : إنه لما ذكر مثلاً مطابقاً للغرض كاشفاً عن المقصود ، قال : الحمد لله أي : على قوّة هذه الحجة { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك حتى يعبدوا من تحقّ له العبادة ، ويعرفوا المنعم عليهم بالنعم الجليلة ، ونفي العلم عنهم إما لكونهم من الجهل بمنزلة لا يفهمون بسببها ما يجب عليهم ، أو هم يتركون الحق عناداً مع علمهم به ، فكانوا كمن لا علم له ، وخصّ الأكثر بنفي العلم : إما لكونه يريد الخلق جميعاً ، وأكثرهم المشركون ، أو ذكر الأكثر ، وهو يريد الكلّ ، أو المراد أكثر المشركين ؛ لأن فيهم من يعلم ولا يعمل بموجب العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.