فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (245)

وقوله : { من ذَا الذى يُقْرِضُ الله } لما أمر سبحانه بالقتال ، والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك ، و { من } استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء ، و«ذا » خبره ، و«الذي » وصلته وصف له ، أو بدل منه ، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب ، وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال : أقرض فلان فلاناً . أي : أعطاه ما يتجازاه . قال الشاعر :

وَإذا جوزِيت قَرضاً فاجزْه *** . . .

وقال الزجاج : القرض في اللغة : البلاء الحسن ، والبلاء السيء .

قال أمية :

كلُّ امرئ سَوفَ يُجْزَى قرضَه حَسَناً *** أو سَيِئاً وَمديناً مِثْل مَا دَانَا

وقال آخر :

فجازَى القُرُوض بِأمثَالها *** فبالخْيَر خَيْراً وبِالشر شرّاً

وقال الكسائي : القرض : ما أسلفت من عمل صالح ، أو سيء ، وأصل الكلمة القطع ، ومنه المقراض ، واستدعاء القرض في الآية إنما هو : تأنيس ، وتقريب للناس بما يفهمونه . والله هو الغني الحميد . شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس ، والأموال في أخذ الجنة بالبيع ، والشراء . وقوله : { حَسَنًا } أي : طيبة به نفسه من دون مَنِّ ، ولا أذى . وقوله : { فَيُضَاعِفَهُ } قرأ عاصم ، وغيره بالألف ، ونصب الفاء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإثبات الألف ، ورفع الفاء ، وقرأ ابن عامر ، ويعقوب : «فيضعفه » بإسقاط الألف مع تشديد العين ، ونصب الفاء . وقرأ ابن كثير ، وأبو جعفر بالتشديد ، ورفع الفاء . فمن نصب ، فعلى أن جواب الاستفهام ، ومن رفع ، فعلى تقدير مبتدأ ، أي : هو يضاعفه . وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال . وقيل : لا يعلمه إلا الله وحده . وقوله : { والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } هذا عام في كل شيء ، فهو القابض الباسط ، والقبض : التقتير ، والبسط : التوسيع ، وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ، ولهذا قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه ، وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم ، وإن بخلتم عاقبكم .

/خ245