فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنبياء

وهي مكية ، قال القرطبي في قول الجميع

وهي مائة واثنتا عشرة آية

وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال : بنو إسرائيل والكهف ومريم والأنبياء هن من العتاق الأول ، هن من تلادي . وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب ، فأكرم عامر مثواه ، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً ما في العرب واد أفضل منه ، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك ، فقال عامر : لا حاجة لي في قطعتك ، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا .

يقال : قرب الشيء واقترب وقد اقترب الحساب ، أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه . قال الزجاج : المعنى : { اقترب لِلنَّاسِ } وقت { حِسَابَهُمْ } أي القيامة كما في قوله : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] . واللام في { للناس } متعلقة بالفعل ، وتقديمها هي ومجرورها على الفاعل لإدخال الروعة ، ومعنى اقتراب وقت الحساب : دنّوه منهم ، لأنه في كل ساعة أقرب إليهم من الساعة التي قبلها . وقيل : لأن كل ما هو آتٍ قريب ، وموت كل إنسان قيام ساعته . والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان ، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى ، والمراد بالناس : العموم . وقيل : المشركون مطلقاً . وقيل : كفار مكة ، وعلى هذا الوجه قيل : المراد بالحساب : عذابهم يوم بدر ، وجملة : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } في محل نصب على الحال ، أي هم في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة ، غير متأهبين بما يجب عليهم من الإيمان بالله . والقيام بفرائضه ، والانزجار عن مناهيه .

/خ9