فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

ثم ذكر سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل ، وهو النظر في حال الدوابّ ، فقال : { وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } قد تقدّم الكلام في كأين ، وأن أصلها : أي ، دخلت عليها كاف التشبيه ، وصار فيها معنى : كم ، كما صرح به الخليل وسيبويه ، وتقديرها عندهما كشيء كثير من العدد من دابة . وقيل المعنى : وكم من دابة . ومعنى { لا تحمل رزقها } لا تطيق حمل رزقها لضعفها ، ولا تدّخره ، وإنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم ؛ فكيف لا يتوكلون على الله مع قوّتهم وقدرتهم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها ؟ قال الحسن : تأكل لوقتها ، لا تدّخر شيئاً . قال مجاهد : يعني الطير والبهائم تأكل بأفواهها ، ولا تحمل شيئاً { وَهُوَ السميع } الذي يسمع كل مسموع { العليم } بكل معلوم . ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم ، وعجب السامع من كونهم يقرّون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ويتركون عبادة غيره فقال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله } .

/خ69