فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (188)

قوله : { لاَ تَحْسبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ } قرأ الكوفيون بالتاء الفوقية ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له . وقوله : { بِمَا أَتَوْا } أي : بما فعلوا . وقد اختلف في سبب نزول الآية ، كما سيأتي ، والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملاً بعموم اللفظ ، وهو المعتبر دون خصوص السبب ، فمن فرح بما فعل ، وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل ، فلا تحسبنه بمفازة من العذاب . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو : «لا يحسبنّ » بالياء التحتية ، أي : لا يحسبن الفارحون فرحهم منجياً لهم من العذاب ، فالمفعول الأوّل محذوف ، وهو فرحهم ، والمفعول الثاني بمفازة من العذاب . وقوله : { فَلاَ تَحْسبَنَّهُمْ } تأكيد للفعل الأوّل على القراءتين ، والمفازة : المنجاة ، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا ، أي : ليسوا بفائزين ، سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل قاله الأصمعي . وقيل : لأنها موضع تفويز ، ومظنة هلاك ، تقول العرب : فوّز الرجل إذا مات . قال ثعلب : حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي ، فقال : أخطأ . قال لي أبو المكارم : إنما سميت مفازة ؛ لأن من قطعها فاز . وقال ابن الأعرابي : بل ؛ لأنه مستسلم لما أصابه . وقيل المعنى : لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب ؛ لأن الفوز التباعد عن المكروه . وقرأ مروان بن الحكم ، والأعمش ، وإبراهيم النخعي : «آتوا » بالمد ، أي : يفرحون بما أعطوا . وقرأ جمهور القراء السبعة ، وغيرهم { أتوا } بالقصر .

/خ188