فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (191)

قوله : { الذين يَذْكُرُونَ الله قياما وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ } الموصول نعت لأولي الألباب ، وقيل : هو مفصول عنه خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوب على المدح . والمراد بالذكر هنا : ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة ، وغيرها . وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الذكر هنا عبارة عن الصلاة ، أي : لا يضيعونها في حال من الأحوال ، فيصلونها قياماً مع عدم العذر ، وقعوداً ، وعلى جنوبهم مع العذر . قوله : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } معطوف على قوله : { يَذَّكَّرُونَ } وقيل : إنه معطوف على الحال ، أعني : { قياما وَقُعُوداً } وقيل : إنه منقطع عن الأوّل ، والمعنى : أنهم يتفكرون في بديع صنعهما ، وإتقانهما مع عظم أجرامها ، فإن هذا الفكر إذا كان صادقاً ، أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه . قوله : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا } هو على تقدير القول ، أي : يقولون ما خلقت هذا عبثاً ، ولهواً ، بل خلقته دليلاً على حكمتك ، وقدرتك . والباطل : الزائل الذاهب ، ومنه قول لبيد :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** . . .

وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي : خلقاً باطلاً ، وقيل : منصوب بنزع الخافض ، وقيل : هو مفعول ثان ، وخلق بمعنى : جعل ، أو منصوب على الحال ، والإشارة بقوله : { هذا } إلى السماوات والأرض ، أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق . قوله : { سبحانك } أي : تنزيهاً لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلاً . وقوله : { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله .

/خ194