فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الزمر

هي اثنتان وسبعون آية ، وقيل خمس وسبعون وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وجابر بن زيد . وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة الزمر بمكة . وأخرج النحاس في ناسخه عنه قال : نزلت بمكة سورة الزمر سوى ثلاثة آيات نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } الثلاث الآيات . وقال آخرون : إلى سبع آيات من قوله : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } إلى آخر السبع . وأخرج النسائي عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر ، ويفطر حتى نقول ما يريد أن يصوم ، وكان يقرأ في كل ليلة بني إسرائيل والزمر " . وأخرجه الترمذي عنها بلفظ : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل " .

قوله : { تَنزِيلُ الكتاب } ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف هو اسم إشارة ، أي هذا تنزيل . وقال أبو حيان : إن المبتدأ المقدّر لفظ هو ليعود على قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين } [ ص : 87 ] ، كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو ؟ فقيل : هو تنزيل الكتاب . وقيل : ارتفاعه على أنه مبتدأ ، وخبره الجارّ والمجرور بعده ، أي تنزيل كائن من الله ، وإلى هذا ذهب الزجاج ، والفراء . قال الفراء : ويجوز أن يكون مرفوعاً بمعنى : هذا تنزيل ، وأجاز الفراء والكسائي النصب على أنه مفعول به لفعل مقدّر ، أي اتبعوا ، أو اقرؤوا تنزيل الكتاب . وقال الفراء : يجوز نصبه على الإغراء ، أي الزموا ، والكتاب هو : القرآن ، وقوله : { مِنَ الله العزيز الحكيم } على الوجه الأوّل صلة للتنزيل ، أو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو متعلق بمحذوف على أنه حال عمل فيه اسم الإشارة المقدّر .