فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

ووجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه ، فالداء قديم ، والشرّ أصيل .

وقد اختلف أهل العلم في ابني آدم المذكورين ، هل هما لصلبه أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى الأوّل . وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني ، وقالا : إنهما كانا من بني إسرائيل ، فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود ، وكانت بينهما خصومة ، فتقرّبا بقربانين ولم تكن القاربين إلا في بني إسرائيل . قال ابن عطية : وهذا وهم كيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب ؟ قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم : واسمهما قابيل وهابيل ، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل ، لأنه كان صاحب زرع واختارها من أراد زرعه ، حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها ، وكان قربان هابيل كبشاً ؛ لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه ، فتقبل قربان هابيل ، فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام ، كذا قال جماعة من السلف ، ولم يتقبل قربان قابيل ، فحسده وقال لأقتلنك . وقيل : سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى ، إلا شيثاً عليه السلام فإنها ولدته منفرداً ، وكان آدم عليه السلام يزّوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر . ولا تحلّ له أخته التي ولدت معه ، فولدت مع قابيل أخت واسمها إقليما ، ومع هابيل أخت ليست كذلك ، واسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل : أنا أحق بأختي ، فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر ، فاتفقوا على القربان ، وأنه يتزوجها من يقبل قربانه .

قوله : { بالحق } متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر ، { واتل } أي : تلاوة متلبسة بالحق ، أو صفة لنبأ : أي : نبأ متلبساً بالحق ، والمراد بأحدهما هابيل وبالآخر قابيل ، و { قَالَ للأَقْتُلَنَّكَ } استئناف بياني ، كأنه قيل فماذا حال الذي لم يتقبل قربانه ؟ وقوله : { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } استئناف كالأوّل كأنه قيل : فماذا قال الذي تقبل قربانه ؟ وإنما للحصر : أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم ، وكأنه يقول لأخيه : إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي ، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك .

/خ31