فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

قوله : { وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ } أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير ، حيث قالوا { عُزَيْرٌ ابن الله } وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا { المسيح ابن الله } وقيل هو على حذف مضاف : أي نحن أتباع أبناء الله ، وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأماني العاطلة ، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم ، فقال : { قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } أي : إن كنتم كما تزعمون ، فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل ، والمسخ ، وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك ، لقولكم : { لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً } فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون ، والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون ، فهذا يدلّ على أنكم كاذبون في هذه الدعوى . وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف . قوله : { بَلْ أَنتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ } عطف على مقدّر يدلّ عليه الكلام : أي فلستم حينئذ كذلك ، { بَلْ أَنتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ } أي : من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشرّ ، ويجازي كل عامل بعمله { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا } من الموجودات { وَإِلَيْهِ المصير } أي : تصيرون إليه عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة .

/خ18