فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ} (31)

قوله : { فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْأة أَخِيه } قيل : إنه لما قتل أخاه لم يدر كيف يواريه ؛ لكونه أوّل ميت مات من بني آدم ، فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ثم حثا عليه ، فلما رآه قابيل : { يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْأةَ أَخِي } فواراه ، والضمير المستكن في { لِيُرِيَهُ } للغراب ؛ وقيل لله سبحانه ، و { كَيْفَ } في محل نصب على الحال من ضمير : { يواري } والجملة ثاني مفعولي يريه . والمراد بالسوأة هنا ذاته كلها لكونها ميتة ، و{ قَالَ } استئناف جواب سؤال مقدّر من سوق الكلام ، كأنه قيل : فماذا قال عند أن شاهد الغراب يفعل ذلك ؟ و{ يا ويلتي } كلمة تحسر وتحزن ، والألف بدل من ياء المتكلم كأنه دعا ويلته بأن تحضر في ذلك الوقت ، والويلة الهلكة ، والكلام خارج مخرج التعجب منه من عدم اهتدائه لمواراة أخيه ، كما اهتدى الغراب إلى ذلك { فَأُوَارِيَ } بالنصب على أنه جواب الاستفهام ، وقرئ بالسكون على تقدير فأنا أواري { فَأَصْبَحَ مِنَ النّادمين } على قتله ؛ وقيل : لم يكن ندمه ندم توبة بل ندم لفقده ، لا على قتله ؛ وقيل غير ذلك .

/خ31