فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

عبّر سبحانه بالإنزال عن الخلق ، أي خلقنا لكم لباساً يواري سوآتكم التي أظهرها إبليس من أبويكم ، والسوأة العورة كما سلف ، والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع . قوله : { وَرِيشًا } قرأ الحسن وعاصم ، من رواية المفضل الضبي ، وأبو عمرو ، من رواية الحسن بن عليّ الجعفي «ورياشاً » وقرأ الباقون { وريشاً } والرياش جمع ريش : وهو اللباس . قال الفراء : ريش ورياش كما يقال : لبس ولباس ، وريش الطائر ما ستره الله به . وقيل المراد بالريش هنا : الخصب ورفاهية العيش . قال القرطبي : والذي عليه أكثر أهل اللغة : أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة . وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة : وهبت له دابة وريشها ، أي وما عليها من اللباس . وقيل : المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } وعطفه عليه .

قوله : { وَلِبَاسُ التقوى } قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس . وقرأ الباقون بالرفع ؛ فالنصب على أنه معطوف على لباس الأوّل ، والرفع على أنه مبتدأ ، وجملة { ذلك خَيْرٌ } خبره ، والمراد بلباس التقوى : لباس الورع ، واتقاء معاصي الله ، وهو الورع نفسه والخشية من الله ، فذلك خير لباس وأجمل زينة . وقيل : لباس التقوى الحياء . وقيل : العمل الصالح ، وقيل : هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله . وقيل : هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد في سبيل الله ، والأوّل أولى . وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال ، ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع في كلام العرب ، ومنه :

إذ المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عرياناً وإن كان كاسيا

ومثله :

تغطّ بأثواب السخاء فإنني *** أرى كل عيب والسخاء غطاؤه

والإشارة بقوله : { ذلك } إلى لباس التقوى ، أي هو خير لباس ، وقرأ الأعمش : { وَلِبَاسُ التقوى خَيْرٌ } والإشارة بقوله :{ ذلك مِنْ آيات الله } إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا ، أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أنه له خالقاً .

/خ27