فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (75)

ثم أخبر سبحانه بأن من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأوّلين والأنصار فهو من جملتهم ، أي من جملة المهاجرين الأوّلين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة ، وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم ، ثم بيّن سبحانه بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث ، والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة .

وقيل المراد بهم هنا : العصبات ، قالوا : ومنه قول العرب : وصلتك رحم ، فإنهم لا يريدون قرابة الأم . قالوا : ومنه قول قتيلة :

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه *** لله أرحام هناك تشقق

ولا يخفاك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات ، وقد استدل بهذه الآية من أثبت ميراث ذوي الأرحام ، وهم من ليس بعصبة ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث ، والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه . وقد قيل : إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسر ما تقدّم من قوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } وما بعده بالتوارث ، وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه الآية إخباراً منه سبحانه وتعالى بأن القرابات { بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله } أي : في حكمه ، أو في اللوح المحفوظ ، أو في القرآن ، ويدخل في هذه الأولوية الميراث دخولاً أوّلياً لوجود سببه ، أعني القرابة { أَنَّ الله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } لا يخفى عليه شيء من الأشياء كائناً ما كان ، ومن جملة ذلك ما تضمنته هذه الآيات .

/خ75