تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

13

المفردات :

ريحا صرصرا : شديد الحرارة مع صوت مزعج .

نحسات : مشئومات عليهم لأنهم عذبوا فيها .

التفسير :

16-{ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } .

أرسلنا عليهم ريحا مدوّية مهلكة شديدة الحرارة ، أو شديدة البرودة ، في أيام مشئومات لأنهم عذبوا فيها ، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصه ، فيقال له يوم سعد بالنسبة لمن تناله النعماء ، ويقال له يوم نحس بالنظر لمن تصيبه الضرّاء .

قال السدى : { ريحا صرصرا } . مصوّتة ، من صرّ يصرُّ ، إذا صوت ، وروى أنها كانت تحمل العير بأثقالها وأحمالها فترميها بالبحر .

{ لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا . . . } .

أردنا أن نذلّهم ونخزيهم بعذاب أليم لأجسامهم ، وهوان شديد لنفوسهم ، حيث قطعت الريح رءوسهم ، وتركتهم صرعى وهلكى ، كالنخلة التي قُطعت ساقها ، وترك جذرها عديم الفائدة .

قال تعالى : { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل ترى لهم من باقية } . ( الحاقة : 6-8 ) .

{ ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } .

وهناك عذاب في الآخرة أشد خزيا وهوانا ، حيث لا يجدون أحدا ينصرهم من دون الله ، وذلك بسبب تجبّرهم وتكبّرهم بالباطل ، وعتوّهم وأنَفَتهم من سماع نصيحة رسولهم .

قال تعالى على لسان رسولهم هود عليه السلام : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون } . ( الشعراء : 128-131 ) .

/خ18

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } قال مجاهد : شديدة السموم فهو من الصر بفتح الصاد بمعنى الحر ، وقال ابن عباس . والضحاك وقتادة . والسدي : باردة تهلك بشدة بردها من الصر بكسر الصاد وهو البرد الذي يصر أي يجمع ظاهر جلد الإنسان ويقبضه ؛ والأول أنسب لديار العرب ، وقال السدي أيضاً . وأبو عبيدة . وابن قتيبة . والطبري . وجماعة : مصوتة من صريصر إذا صوت ، وقال ابن السكيت : صرصر يجوز أن يكون من الصرة وهي الصبيحة ومنه { فَأَقْبَلَتِ امرأته فِى صَرَّةٍ } [ الذاريات : 29 ] وفي الحديث أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا ، وروى أنها كانت تحمل العير بأوقارها فترميهم في البحر { فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } جمع نحسة بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس نحساً كعلم علماً نقيض سعد سعداً .

وقرأ الحرميان . وأبو عمرو . والنخعي . وعيسى والأعرج { نَّحِسَاتٍ } بسكون الحاء فاحتمل أن يكون مصدراً وصف به مبالغة ، واحتمل أن يكون صفة مخففاً من فعل كصعب . وفي «البحر » تتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلاً بسكون العين وإنما ذكروا فعلاً بالكسر كفرح وأفعل كأحور وفعلان كشبعان وفاعلاً كسالم ، وهو صفة { أَيَّامٍ } وجمع بالألف والتاء لأنه صفة لما لا يعقل ، والمراد بها مشائيم عليهم لما أنهم عذبوا فيها ، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصية فيقال له سعد بالنسبة إلى من ينعم فيه ، ويقال له نحس بالنسبة إلى من يعذب ، وليس هذا مما يزعمه الناس من خصوصيات الأوقات ، لكن ذكر الكرماني في مناسكه عن ابن عباس أنه قال : الأيام كلها لله تعالى لكنه سبحانه خلق بعضها نحوساً وبعضها سعوداً ، وتفسير { نَّحِسَاتٍ } بمشائيم مروى عن مجاهد . وقتادة . والسدي . وقال الضحاك : أي شديدة البرد حتى كأن البرد عذاب لهم ، وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد :

كأن سلافه مزجت بنحس *** وقيل : نحسات ذوات غبار ، وإليه ذهب الجبائي ومنه قول الراجز :

قد اغتدى قبل طلوع الشمس *** للصيد في يوم قليل النحس

يريد قليل الغبار ، وكانت هذه الأيام من آخر شباط وتسمى أيام العجوز ، وكانت فيما روي عن ابن عباس . ومجاهد . وقتادة آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء ، وروى ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء ، وقال السدي : أولها غداة يوم الأحد ، وقال الربيع بن أنس : يوم الجمعة { لّنُذِيقَهُمْ عذاب الخزي فِي الحياة الدنيا } أضيف العذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفه به لقوله تعالى : { وَلَعَذَابُ الاخرة أخزى } وهو في الأرض صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ، فإنه يدل على أن ذل الكافر زاد حتى اتصف به عذابه كما قرر في قولهم : شعر شاعر ، وهذا في مقابلة استكبارهم وتعظمهم . وقرىء { لتذيقهم } بالتاء على أن الفاعل ضمير الريح أو الأيام النحسات { أخزى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا } أي : ريحًا عظيمة ، من قوتها وشدتها ، لها صوت مزعج ، كالرعد القاصف . فسخرها اللّه عليهم { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } { نحسات } فدمرتهم وأهلكتهم ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم . وقال هنا : { لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } الذي اختزوا به وافتضحوا بين الخليقة . { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ } أي : لا يمنعون من عذاب اللّه ، ولا ينفعون أنفسهم .