تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

ما وعد الله به أهل الاستقامة والحكمة

{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون 30 نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون 31 نزلا من غفور رحيم 32 ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين 33 ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 34 وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 35 وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم 36 }

المفردات :

استقاموا : ثبتوا على الإيمان والصراط المستقيم .

تتنزل عليهم الملائكة : بالبشارة والإلهام في حياتهم ، وعند موتهم وبعثهم بما يسرّهم .

30

التفسير :

30-{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } .

تصف الآيات منزلة المؤمنين الذين أعلنوا إيمانهم بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا ، واستقاموا على ذلك فلم يروغوا روغان الثعالب ، بل ثبتوا على الإيمان وعملوا بمقتضاه .

قال رجل : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا ، وأقلل فيه لعلي أعيه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " قل أمنت بالله ثم استقم " فقال الرجل : يا رسول الله ، ما أكثر ما تخاف عليّ ؟ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال : " هذا " أي : أخاف عليك لسانك {[648]} . ( رواه الإمام أحمد ، ومسلم في صحيحه ، والنسائي ) .

فالمؤمن المستقيم على فعل الصالحات وترك المعاصي ، الثابت على الخير ، البعيد عن الشر ، الذي وطن نفسه على الهوى ، وفطمها عن الردى ، تنزل عليه الملائكة في الدنيا – وإن لم يرها- تشرح صدره ، وتيسّر أمره ، وتمنحه المعونة والهدى والتوفيق ، وتنزل عليه عند الموت تبشّره برضوان الله ، وتنزل عليه في القبر تؤنسه وتبشره بمنزلته في الجنة ، وتنزل عليه عند البعث حيث ينزل عليه الملكان اللذان كانا يكتبان عليه الحسنات والسيئات ليصحباه إلى عرصات القيامة ، ونعيم الجنة ، ولا يمرّ المؤمن المستقيم بأي كرب من كروب الآخرة إلا بشّرته بما أُعدّ له ، ويسرت له الحفظ من كل كرب ، وبشرته بالجنة التي كان يوعد بها في الدنيا على ألسنة الرسل .


[648]:قل آمنت بالله ثم استقم: رواه مسلم في الإيمان (38) والترمذي في الزهد (2410) وابن ماجة في الفتن (3972) وأحمد في مسنده (14991، 14992، 14993، 18938) والدارمي في الرقائق (2710، 2711) من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي. وقال الترمذي: حسن صحيح.
 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

{ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله } شروع في بيان حسن أحوال المؤمنين في الدنيا والآخرة بعد بيان سوء حال الكفرة فيهما أي قالوه اعترافاً بربوبيته تعالى وإقراراً بوحدانيته كما يشعر به الحصر الذي يفيده تعريف الطرفين كما في صديقي زيد { ثُمَّ استقاموا } ثم ثبتوا على الإقرار ولم يرجعوا إلى الشرك ، فقد روي عن الصديق رضي الله تعالى عنه أنه تلا الآية وهي قد نزلت على ما روي عن ابن عباس ثم قال : ما تقولون فيها ؟ قالوا : لم يذنبوا قال : قد حملتم الأمر على أشده قالوا : فما تقول ؟ قال : لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان . وعن عمر رضي الله تعالى عنه استقاموا لله تعالى بطاعته لم يروغوا روغان الثعالب ، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه اخلصوا العمل ، وعن الأمير علي كرم الله تعالى وجهه أدوا الفرائض ، وقال الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا ، وقال الفضيل : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية ، وقال الربيع : اعرضوا عما سوى الله تعالى ، وفي «الكشاف » أي ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته وأراد أن من قال : ربي الله تعالى فقد اعترف أنه عز وجل مالكه ومدبر أمره ومربيه وأنه عبد مربوب بين يدي مولاه فالثبات على مقتضاه أن لا تزل قدمه عن طريق العبودية قلباً وقالباً ولا يتخطاه وفيه يندرج كل العبادات والاعتقادات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمن طلب أمراً يعتصم به : " قل ربي الله تعالى ثم استقم " وذكر أن ما ورد عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم جزئيات لهذا المعنى ذكر كل منها على سبيل التمثيل ولا يخفى أن كلام الصديق رضي الله تعالى عنه يبعد كون ما ذكره على سبيل التمثيل ، ولعل { ثُمَّ } على هذا للتراخي الرتبي فإن الاستقامة عليه أعظم وأصعب من الإقرار وكذا يقال على أغلب التفاسير السابقة ، وجوز أن تكون للتراخي الزماني لأنها تحصل بعد مدة من وقت الإقرار ، وجعلت على تفسير الاستقامة بأداء الفرائض أو بالعمل للتراخي الرتبي أيضاً بناء على أن الإقرار مبدأ الاستقامة على ذلك ومنشؤها ، وهذا على عكس التراخي الرتبي الذي سمعته أولاً لأن المعطوف عليه فيه أعلى مرتبة من المعطوف إذ هو العمدة والأساس ، وعلى ما تقدم المعطوف أعلى مرتبة من المعطوف عليه كما لا يخفى { تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } من الله ربهم عز وجل { الملائكة } قال مجاهد . والسدي : عند الموت ، وقال مقاتل : عند البعث ، وعن زيد بن أسلم عند الموت وفي القبر وعند البعث ، وقيل : تتنزل عليهم يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام كما أن الكفرة يغويهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح ، قيل : وهذا هو الأظهر لما فيه من الإطلاق والعموم الشامل لتنزلهم في المواطن الثلاثة السابقة وغيرها ، وقد قدمنا لك أن جميعاً من الناس يقولون : بتنزل الملائكة على المتقين في كثير من الأحيايين وأنهم يأخذون منهم ما يأخذون فتذكر .

{ أَلاَّ تَخَافُواْ } ما تقدمون عليه فإن الخوف غم يلحق لتوقع المكروه { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلفتم فإنه غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار وروى هذا عن مجاهد ، وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا رد حسناتكم فإنها مقبولة ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنها مغفورة ، وقيل : المراد نهيهم عن الغموم على الإطلاق .

والمعنى أن الله تعالى كتب لكم الأمس من كل غم فلم تذوقوه أبداً . و { ءانٍ } إما مصدرية و { لا } ناهية أو نافية وسقوط النون للنصب والخبر في موضع الإنشاء مبالغة ، وإما مخففة من الثقيلة و { تَتَنَزَّلُ } مضمن معنى العلم ولا ناهية وأن في الوجهين مقدرة بالباء أي بأن لا تخافوا أو بأنه لا تخافوا والهاء ضمير الشأن . وإما مفسرة و { تَتَنَزَّلُ } مضمن معنى القول ولا ناهية أيضاً .

وفي قراءة عبد الله { لا تَخَافُواْ } بدون { أن } أي يقولون لا تخافوا على أنه حال من الملائكة أو استئناف .

{ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } أي التي كنتم توعدونها في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلام ، هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة

ومن كلمات القوم في الآيات : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله } يوم خوطبوا بألست بربكم ؟ { ثُمَّ استقاموا } على إقرارهم لما خرجوا إلى عالم الصور ولم ينحرفوا عن ذلك كالمنافقين والكافرين ، وذكر أن الاستقامة متفاوتة فاستقامة العوام في الظاهر بالأوامر والنواهي وفي الباطن بالإيمان واستقامة الخواص في الظاهر بالرغبة عن الدنيا وفي الباطن بالرغبة عن الجنان شوقاً إلى الرحمن واستقامة خواص الخواص في الظاهر برعاية حقوق المبايعة بتسليم النفس والمال وفي الباطن بالفناء والبقاء { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة } تنزلاً متفاوتاً حسب تفاوت مراتبهم ، وعن بعض أئمة أهل البيت أن الملائكة لتزاحمنا بالركب أو ما هذا معناه { وَأَبْشِرُواْ بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] هي أيضاً متفاوتة فمنهم من يبشر بالجنة المعروفة ومنهم من يبشر بجنة الوصال ورؤية الملك المتعال