{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } .
لستن كأحد من النساء : لمستن كجماعة من النساء في الفضل فمقامكن أرفع وأفضل بشرط تقواكن لله .
إن اتقيتن : بل أنتن أشرف وأفضل بشرط تقواكن لله .
فلا تخضعن بالقول : فلا تجئن بالقول خاضعا لينا .
مرض : مرض النفاق أو مرض الشهوة .
قولا معروفا : قولا معروفا بالجد .
لقد فضل الله زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجعلهن أمهات المؤمنين ورفع الله منزلتهن وضاعف لهن الثواب إن أطعن وضاعف لهن العقاب إن عصين .
ومعنى الآية : يا زوجات النبي أمهات المؤمنين إنكن لستن كجماعات النساء ، إن شرفكن أعظم ومقامكن أسمى ما دمتن في طاعة الله والتزام أمره واجتناب نواهيه والتمسك بالتقوى فإنها مصدر الشرف والعز .
{ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } .
ينبغي أن يكون كلامكن جزلا ، ونطقكن فصلا بدون لين في القول ولا تكسر ولا ريبة ولا تخنث حتى لا يطمع في الفاحشة من كان في قلبه نفاق أو رغبة في الفسوق أو الإكثار من محادثة النساء .
ليكن كلامكن بجد حزم وقوة واستقامة ، تقطع الطريق على كل فاجر أو فاسق ، وليس هذا الوصف خاصا بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل نساء الأمة تبع فيه لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فالمرأة حين تخاطب زوجها تميل إلى اللين والخضوع وترخيم الصوت وترقيقه وحين تخاطب الأجانب تميل إلى الجد والحزم والقوة ، حتى لا يطمع فيها من في قلبه شهوة ورغبة في الفجور وهذا النهي لا يعني أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على حال من السوء تقتضي المنع والكف ، وإنما المراد رسم المثل الأعلى والطريق الأسمى لهن وللنساء المسلمات .
كما قال تعالى في مطلع السورة : { يأيها النبي اتق الله . . . } . فإذا نودي الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فمن باب أولى عامة المسلمين ، وكذلك إذا أمرت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بالجد في القول والبعد عن الريبة وإطماع الرجال ، فذلك من باب التوجيه الأسمى من الله رب العالمين .
قال تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } . ( الزمر : 65 ) .
لكن الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم ، والمراد أمته أو كل من يتأتى منه الخطاب أو للتهييج على لزوم التوحيد والبعد عن الشرك .
قوله تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ( 32 ) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( 33 ) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } .
نساء النبي صلى الله عليه وسلم مكرمات لشرفهن ، وعلو منزلتهن ، فهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف . وذلك مشروط بالتقوى منهن ، وهو قوله : { إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } وذلك بخشية الله وطاعته والتزام أوامره ، فإنهن بذلك لا يشبههن أحد من النساء ، ولا يلحقهن في الفضيلة وعلو الدرجة . أي إن اتقين الله انفردتنّ بخصائص من جملة النساء{[3738]} ونساء النبي ، وإنْ كُن من الآدميات ، فهن لسن كإحداهن . وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه وإن كان من البشر من حيث الجبلَّة ، فهو ليس منهم من حيث الفضيلة وعلو المنزلة . فلئن كانت نَساء النبي بهذه المكانة من شرف المنزلة وهن ممن يُقتدى بهن ؛ فإنه جدير بهن أن تعلو أفعالهن فوق الأفعال ، وأن تربو صفاتهن على سائر الصفات .
أما قوله : { كأحد } وليس كواحدة فوجهه أن أحدا ينفي المذكر والمؤنث والواحد والجماعة .
قوله : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } الخضوع بالقول منهن يراد به لين الحديث ، وترقيق الكلام إذا خاطب الأجانب من الرجال . لا جرم أن ترخيم الخطاب من المرأة ؛ إذ تخاطب الأجانب يفضي إلى الفتنة التي تجنح بضعاف العزائم إلى الميل والاسترخاء والهوى . ولذلك قال : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } المرض معناه هنا الدغل وهو الفساد{[3739]} ، وذلك يعم كل وجوه الفسق ، والتشوُّف للفجور . فما تترفق المرأة في حديثها الرخيم اللين أمام الرجال إلا كان ذلك مدعاة لانفتال القلوب الضعيفة ، فتميل في الغالب للفتنة والاحترار والانشغال . وجدير بالنساء المسلمات الفضليات اللواتي يتقين الله ، ويطعن أوامره أن يخاطبن الأجانب من الرجال في جِدٍّ وخشونة بعيدا عن الترخيم والترقيق والريبة .
قال ابن العربي في تأويل قوله تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } : أمرهن الله تعالى أن يكون قولُهن جزلا ، وكلامُهن فصلا ، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المُطمع للسامع .
قوله : { وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا } أي قولا حسنا بعيدا من طمع المريب . وقيل : المراد بالمعروف الذي تدعو إليه الحاجة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.