فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (32)

ثم أظهر سبحانه فضيلتهن على سائر النساء تصريحا فقال : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء } قال الزجاج : لم يقل كواحدة من النساء لأن ( أحد ) لفظ عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة ، وقد يقال على ما ليس بآدمي ، كما يقال : ليس فيها أحد لا شاة ولا بعير ، والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف .

قال ابن عباس : يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات ، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي ، ثم قيد هذا الشرف العظيم بقيد فقال : { إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } الله فأطعتنه فإن الأكرم عند الله هو الأتقى ، فبين سبحانه أن هذه الفضيلة لهن إنما تكون بملازمتهن للتقوى لا لمجرد اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وقعت منهن ولله الحمد التقوى البينة ، والإيمان الخالص ، والمشي على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته ، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي إن اتقيتن فلستن كأحد من النساء . وقيل أن جوابه قوله : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } والأول أولى ، والمعنى : لا تلن القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المريبات من النساء ، لا ترققن الكلام . قال ابن عباس يقول : لا ترخصن بالقول ، ولا تخضعن بالكلام . وعنه قال : مقارنة الرجال بالقول فانه يتسبب عن ذلك مفسد ة عظيمة وهي قوله : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي فجور وشهوة ، أو شك وريبة ، أو نفاق .

والمعنى لا تقلن قولا يجد المنافق والفاجر به سبيلا إلى الطمع فيكن ، والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فيهن .

{ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا } عند الناس ، أي حسنا مع كونه خشنا بعيدا من الريبة على سنن الشرع لا ينكر منه سامعه شيئا ، ولا يطمع فيكن أهل الفسق والفجور بسببه ، أو قولا يوجبه الإسلام والدين عند الحاجة إليه ببيان من غير خضوع . وقيل : القول المعروف ذكر الله تعالى والأول أولى .