فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (32)

ثم أظهر سبحانه فضيلتهنّ على سائر النساء تصريحاً ، فقال : { يا نساء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء } قال الزجاج : لم يقل كواحدة من النساء ؛ لأن أحد نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة . وقد يقال : على ما ليس بآدميّ كما يقال : ليس فيها أحد لا شاة ولا بعير . والمعنى : لستنّ كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف . ثم قيد هذا الشرف العظيم بقيد فقال : { إِنِ اتقيتن } فبين سبحانه أن هذه الفضيلة لهنّ إنما تكون بملازمتهنّ للتقوى ، لا لمجرّد اتصالهنّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم . وقد وقعت منهنّ ولله الحمد التقوى البينة ، والإيمان الخالص ، والمشي على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته . وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي إن اتقيتنّ فلستنّ كأحد من النساء . وقيل إن جوابه { فَلاَ تَخْضَعْنَ } والأوّل أولى . ومعنى { فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول } لا تلنّ القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المريبات من النساء ، فإنه يتسبب عن ذلك مفسدة عظيمة ، وهي قوله : { فَيَطْمَعَ الذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي فجور وشك ونفاق ، وانتصاب { يطمع } لكونه جواب النهي . كذا قرأ الجمهور . وحكى أبو حاتم أن الأعرج قرأ : { فيطمع } بفتح الياء وكسر الميم . قال النحاس : أحسب هذا غلطاً ، ورويت هذه القراءة عن أبي السمأل وعيسى بن عمر وابن محيصن ، وروي عنهم : أنهم قرؤوا بالجزم عطفاً على محل فعل النهي { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } عند الناس بعيداً من الريبة على سنن الشرع ، لا ينكر منه سامعه شيئاً ، ولا يطمع فيهنّ أهل الفسق والفجور بسببه .

/خ34