{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } : أي ليس كل واحدة منكن كشخص واحد من النساء ، أي من نساء عصرك .
وليس النفي منصباً على التشبيه في كونهن نسوة .
تقول : ليس زيد كآحاد الناس ، لا تريد نفي التشبيه عن كونه إنساناً ، بل في وصف أخص موجود فيه ، وهو كونه عالماً ، أو عاملاً ، أو مصلياً .
فالمعنى : أنه يوجد فيكن من التمييز ما لا يوجد في غيركن ، وهو كونكن أمهات المؤمنين وزوجات خير المرسلين .
ونزل القرآن فيكن ، فكما أنه عليه السلام ليس كأحد من الرجال ، كما قال عليه السلام : « لست كأحدكم » ، كذلك زوجاته اللاتي تشرفن به .
وقال الزمخشري : أحد في الأصل بمعنى وحد ، وهو الواحد ؛ ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه ، والمعنى : لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء ، أي إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة ، لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة ، ومنه قوله عز وجل : { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } يريد بين جماعة واحدة منهم ، تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين . انتهى .
أما قوله : أحد في الأصل بمعنى : وحد ، وهو الواحد فصحيح .
وأما قوله : ثم وضع ، إلى قوله : وما وراءه ، فليس بصحيح ، لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحداً ، لأن واحد ينطلق على كل شيء اتصف بالوحدة ، وأحد المستعمل في النفي العام مخصوص بمن يعقل .
وذكر النحويون أن مادته همزة وحاء ودال ، ومادة أحد بمعنى وحد أصله واو وحاء ودال ، فقد اختلفا مادة ومدلولاً .
وأما قوله : { لستن } كجماعة واحدة ، فقد قلنا : إن قوله { لستن } معناه : ليست كل واحدة منكن ، فهو حكم على كل واحدة واحدة ، ليس حكماً على المجموع من حيث هو مجموع .
وقلنا : إن معنى كأحد : كشخص واحد ، فأبقينا أحداً على موضوعه من التذكير ، ولم نتأوله بجماعة واحدة .
وأما { ولم يفرقوا بين أحد منهم } فاحتمل أن يكون الذي للنفي العام ، ولذلك جاء في سياق النفي ، فعم وصلحت البينية للعموم .
واحتمل أن يكون أحد بمعنى واحد ، ويكون قد حذف معطوف ، أي بين واحد وواحد من رسله ، كما قال الشاعر :
فما كان بين الخير لوجا سالماً *** أبو حجر إلا ليال قلائل
أي : لستن مثلهن إن اتقيتن الله ، وذلك لما انضاف مع تقوى الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ، ونزول القرآن في بيتهن وفي حقهن .
وقال الزمخشري : { إن اتقيتن } : إن أردتن التقوى ، وإن كن متقيات .
{ فلا تخضعن بالقول } : فلا تجبن بقولكنّ خاضعاً ، أي ليناً خنثاً ، مثل كلام المريبات والمومسات .
{ فيطمع الذي في قلبه مرض } : أي ريبة وفجوراً . انتهى .
فعلى القول الأول يكون { إن اتقيتن } قيداً في كونهن لسن كأحد من النساء ، ويكون جواب الشرط محذوفاً .
وعلى ما قاله الزمخشري ، يكون { إن اتقيتن } ابتداء شرط ، وجوابه { فلا تخضعن } ، وكلا القولين فيهما حمل .
{ إن اتقيتن } على تقوى الله تعالى ، وهو ظاهر الاستعمال ، وعندي أنه محمول على أن معناه : إن استقبلتن أحداً ، { فلا تخضعن } .
واتقى بمعنى : استقبل معروف في اللغة ، قال النابغة :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه *** فتناولته واتقتنا باليد
أي : استقبلتنا باليد ، ويكون هذا المعنى أبلغ في مدحهن ، إذ لم يعلق فضيلتهن على التقوى ، ولا علق نهيهن عن الخضوع بها ، إذ هن متقيات لله في أنفسهن ، والتعليق يقتضي ظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى .
قال ابن عباس : لا ترخصن بالقول .
وقال الحسن : لا تكلمن بالرفث .
وقال الكلبي : لا تكلمن بما يهوى المريب .
وقال ابن زيد : الخضوع بالقول ما يدخل في القلب الغزل .
أمر تعالى أن يكون الكلام خيراً ، لا على وجه يظهر في القلب علاقة ما يظهر عليه من اللين ، كما كان الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم الصوت ولينه ، مثل كلام المومسات ، فنهاهن عن ذلك ، وقال الشاعر :
يتكلم لو تستطيع كلامه *** لانت له أروى الهضاب الصخر
لو أنها عرضت لأشمط راهب *** عبد الإله ضرورة المتعبد
لرنا لرؤيتها وحسن حديثها *** ولحالها رشداً وإن لم يرشد
وقرأ الجمهور : { فيطمع } ، بفتح الميم ونصب العين ، جواباً للنهي ؛ وأبان بن عثمان ، وابن هرمز : بالجزم ، فكسرت العين لالتقاء الساكنين ، نهين عن الخضوع بالقول ، ونهى مريض القلب عن الطمع ، كأنه قيل : لا تخضع فلا تطمع .
وقراءة النصب أبلغ ، لأنها تقتضي الخضوع بسبب الطمع .
وقال أبو عمرو الداني : قرأ الأعرج وعيسى : فيَطمِع ، بفتح الياء وكسر الميم .
ونقلها ابن خالويه عن أبي السماء ، قال : وقد روي عن ابن محيصن ، وذكر أن الأعرج ، وهو ابن هرمز ، قرأ : فيُطمِعَ ، بضم الياء وفتح العين وكسر الميم ، أي فيطمع هو ، أي الخضوع بالقول ؛ والذي مفعول ، أو الذي فاعل والمفعول محذوف ، أي فيطمع نفسه .
والمرض ، قال قتادة : النفاق ؛ وقال عكرمة : الفسق والغزل .
{ وقلن قولاً معروفاً } : والمحرم ، وهو الذي لا تنكره الشريعة ولا العقول .
قال ابن عباس : المرأة تندب إذا خالطت الأجانب ، عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول من غير رفع الصوت ، فإنها مأمورة بخفض الكلام .
وقال الكلبي : معروفاً صحيحاً ، بلا هجر ولا تمريض .
وقال الضحاك : عنيفاً ؛ وقيل : خشناً حسناً ؛ وقيل : معروفاً ، أي قولاً أُذن لكم فيه ؛ وقيل : ذكر الله وما يحتاج إليه من الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.