تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

المفردات :

الطريقة : هي طريق الإسلام .

غدقا : كثيرا .

لنفتنهم فيه : لنختبرهم ، أيكفرون أم يشكرون .

يسلكه : يدخله .

صعدا : شاقّا ، يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ، ومنه قول عمر : ( ما تصعّدني شيء كما تصعّدني في خطبة النكاح ) ، أي : ما شق عليّ .

التفسير :

16 ، 17- وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا* لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .

يلتفت الخطاب ويتغير من الحديث على لسان الجن إلى خطاب موجّه من الله تعالى لنبيه وللبشرية كلها ، يدعوها إلى الهداية والإيمان بالله ، ويبين أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة اله ورسوله ، والتمسك بأهداف لتشريع الإلهي .

والمعنى :

لو أن الجن والإنس استقاموا على طريقة الإسلام لأغدق الله عليهم النّعم ، وحفّتهم بركات السماء ، فحيث يكون الماء يكون المال ، وحيث يكون المال تكون الفتنة والاختبار .

لنفتنهم فيه . . .

لنعاملهم معاملة المختبر ، حيث نعطيهم النعمة ونرى تصرّفهم حيالها .

ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .

ومن أعرض عن هدى الله ، واختار العاجلة على الآجلة ، ترك الله قلبه للشقاء والعذاب المتصاعد الأليم ، الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا .

والآيتان تشيران إلى سنة من سنن الله ، وهي إسعاد من يختار طريق الهدى ، لأنه متناسق مع الكون ، خاضع لأمر الله ، متوافق مع سنن الله ، ومع نواميس الكون والحياة ، وأن من يعرض عن هداية الله وشرعه يصب بالتعاسة والعذاب الداخلي الذي لا يطيق حمله ، ولا التغلب عليه .

وقريب من ذلك قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . ( الأنبياء : 105 ) .

وقوله عز شأنه : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون . ( الأعراف : 96 ) .

وفي صحيح البخاري : ( إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بحقه فنعم المعونة هو ، ومن أخذه من غير حقّه كان كالذي يأكل ولا يشبع ، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ ، إلا آكلة الخضراء ، أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها ( جنباها ) استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت )ii .

وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج لكم من زهرة الدنيا ) ، قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : ( بركات الأرض )iii .

وجاء في تفسير القرطبي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم )iv .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

قوله : { لنفتنهم فيه } أي لنبتليهم أو نختبرهم به فنعلم شكرهم فيه على نعمة الله .

قوله : { ومن يعرض عن ذكر ربه } يعني من يعرض عن القرآن فلم يعبأ به ولم يعمل بمقتضاه { يسلكه عذابا صعدا } يعني يدخله عذابا شاقّا شديدا . أو عذابا ذا صعد . والمشي في الصعود شاق{[4659]} والصّعود ، بفتح الصاد معناه العقبة الكئود{[4660]} .


[4659]:تفسير الطبري جـ 29 ص 71- 73 وتفسير القرطبي جـ 19 ص 19، 20.
[4660]:مختار الصحاح ص 363.