تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

25

المفردات :

الحمية : الكبر والأنفة ، وحمية الجاهلية هي حمية في غير موضعها ، لا يؤيدها دليل ولا برهان .

سكينته : السكينة : الوقار والحلم .

ألزمهم : اختار لهم ، وطلب منهم .

كلمة التقوى : هي : لا إله إلا الله .

أحق بها : أولى بها من غيرهم ، ومتصفين بمزيد استحقاق لها .

وأهلها : وأصحابها المستأهلين لها .

التفسير :

26- { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } .

تضع هذه الآية الحقيقة الكاملة لموقف الكافرين والمؤمنين يوم الحديبية ، فالكفار في قلوبهم الأنفة والعزة بالإثم ، المنسوبة إلى الجاهلية ، لذلك صدوا المسلمين عن المسجد الحرام ، وصدوا الهدي ومنعوه أن يصل إلى محل ذبحه في منى ، وأخذتهم العزة بالإثم ، فأبوا أن يكتبوا : بسم الله الرحمان الرحيم ، وكتبوا : باسمك اللهم ، كما أبوا أن يكتبوا : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ، وكتبوا : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، فنسب الله إليهم الحمية ، وهي مذمومة ، وتزداد ذما إذا نسبت إلى الجاهلية ، أي التهور والغلظ بدون وجه حق .

وفي المقابل أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، فجعلها محفوظة عنده حتى أنزلها عليهم ، والسكينة كلمة طيبة ، ثم نسبها الله إليه ، فجعلها سكينته ، أي الهدوء والإيمان والوقار والرضا ، وعدم العناية بالشكليات .

{ وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها . . . }

أي : مكنهم الله من كلمة التوحيد ، والإخلاص لله في العمل ، وكانوا أهلا لها وأولى بها ، وهي لا إله إلا الله .

{ وكان الله بكل شيء عليما } .

هو المطلع على أحوال كل من المؤمنين والكافرين ، فيجازي كل فريق بما يستحق .

/خ26

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

قوله عز وجل : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأنكروا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحمية : الأنفة ، يقال : فلان ذو حمية إذا كان ذا غضب وأنفة . قال مقاتل : قال أهل مكة : قد قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا ، فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزى لا يدخلونها علينا ، فهذه ( حمية الجاهلية ) ، التي دخلت قلوبهم . { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } حتى لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فيعصوا الله في قتالهم ، { وألزمهم كلمة التقوى } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، والسدي ، وابن زيد ، وأكثر المفسرين : كلمة التقوى لا إله إلا الله . وروي عن أبي بن كعب مرفوعاً . وقال علي وابن عمر : " كلمة التقوى لا إله إلا الله والله أكبر . وقال عطاء بن أبي رباح : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقال الزهري : هي بسم الله الرحمن الرحيم { وكانوا أحق بها } من كفار مكة ، { وأهلها } أي : وكانوا أهلها في علم الله ، لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير . { وكان الله بكل شيء عليماً }

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

قوله : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حمية الجاهلية } { الحمية } ، تعني الأنفة{[4269]} . أي تشبث الكفار بالحمية الراسخة في قلوبهم ، وحميتهم أو أنفتهم حين أبوا أن يكتبوا بسم الله الرحمان الرحيم . وأبوا أيضا أن يقروا للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة ، وكذلك قد منعوا المسلمين من دخول مكة فصدوهم عن البيت الحرام . لقد فعلوا كل ذلك أنفة وعنادا ولجوجا في العصيان والاستكبار .

قوله : { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } أنزل الله عليهم الطمأنينة . وقيل : ثبتهم على الرضا والوقار { وألزمهم كلمة التقوى } وهي لا إله إلا الله ، فهذه الشهادة الكبرى رأس كل تقوى { وكانوا أحق بها وأهلها } يعني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه أحق بكلمة التقوى وهي شهادة أن لا إله إلا الله وكانوا أهل هذه الشهادة دون المشركين .

قوله : { وكان الله بكل شيء عليما } الله يعلم ما في ضمائر الخلق ويعلم ما تكنه صدور العباد ويعلم ما يصلح عليه حال الناس{[4270]} .


[4269]:المصباح المنير جـ 1 ص 166.
[4270]:تفسير القرطبي جـ 16 ص 286- 288 والكشاف جـ 3 ص 548 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 194.