تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

45

47 { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } .

كان أهل مكة على جانب كبير من الغنى والجاه والمال ، ولهم تجارة رابحة تتحرك إلى صيفا وإلى اليمن شتاء ، ومع ذلك حافظوا على التكبّر والعتوّ ، والاستزادة من الخمر والمتعة ، والزهد في ثواب الآخرة ، وإذا قيل لهم : أخرجوا شيئا من المال للفقراء والمساكين ، وأطمعوا الجائع واكسوا العاري واقضوا حاجة المحتاجين ، رفضوا ذلك وتعللوا بأن الله هو الذي أفقر هؤلاء الفقراء ، ولو الله لأطعمهم ، فنحن ننفذ مشيئة الله ولا نطعمهم ، وهذه أفكار ضالة ، لأن الله تعالى له حكمة ، حيث أغنى بعض عباده ، وأفقر بعضهم ، وحثّ الأغنياء على العطف ، وإخراج الزكاة والصدقة للفقراء ، وبذلك يصبح المال وسيلة للتعاون والتراحم والترابط ، ونشر المودة والرحمة ، فالله تعالى أفقر وأغنى ، ولكنه ذم البخل والشح .

قال تعالى : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الحشر : 9 ] .

وحث القرآن على الصدقة ، وأمر بالزكاة ، وحث على مساعدة الفقراء واليتامى والمساكين ، ورعاية الجار وصلة الرحم ، وبذلك أصبح للفقير حق معلوم من الزكاة والصدقة والمساعدة ، وأصبح الغنى موظفا في ماله ، يتاجر ويربح لكنه مطالب بالزكاة ، وبسدّ حاجة المحتاجين إذا لم تكف الزكاة .

وعن ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله ، أيفقرهم الله ونطعمهم نحن ؟ !

وورد في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآية روايات ، منها ما يأتي :

روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يطعم مساكين المسلمين ، فلقيه أبو جهل ، فقال له يا أبا بكر ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم ، قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال أبو بكر : ابتلى سبحانه قوما بالفقر ، وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء ، فقال أبو جهل : والله يا أبا بكر إن أنت إلا في ظلال ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ، ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية

وقيل : كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين ، قال له : اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك ، ثم يقول : قد منعه الله فأطعمه أنا18 .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

قوله تعالى : { إلا كانوا عنها معرضين وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله } أعطاكم الله ، { قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم } أنرزق ، { من لو يشاء الله أطعمه } وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة : أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله ، وهو ما جعلوا لله من حروثهم وأنعامهم ، قالوا : أنطعم ، أنرزق { من لو يشاء الله أطعمه }رزقه ، ثم لم يرزقه مع قدرته عليه ، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله ، وهذا مما يتمسك به البخلاء ، يقولون : لا نعطي من حرمه الله . وهذا الذي يزعمون باطل ، لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاءً ، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلاً ، وأمر الغني بالإنفاق لا حاجةً إلى ماله ، ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما أمر ، وفرض له في مال الغني ، ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه ، { إن أنتم إلا في ضلال مبين } يقول الكفار للمؤمنين : ما أنتم إلا في خطأ بين في اتباعكم محمداً صلى الله عليه وسلم وترك ما نحن عليه .