تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

المفردات :

وأرض الله واسعة : فهاجروا فيها ، ولا تقيموا مع من يقترف المعاصي .

التفسير :

10- { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب } .

يا من آمنتم بالله ربّا ، ضمّوا إلى الإيمان بالله تعالى ، التقوى ومخافة الله ومراقبته .

والتقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والاستعداد ليوم الرحيل .

وقيل : هي ألا يراك حيث نهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك .

وقيل : هي ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ .

وقيل : هي الاجتهاد في عمل الطاعات ، والابتعاد عن اقتراف المعاصي .

{ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة . . . }

للذين أحسنوا عملهم ، وراقبوا ربّهم حسنة في الدنيا ، من رضوان الله وتوفيقه ورزقه وعنايته ، أو لمن أحسن في هذه الدنيا حسنة في الآخرة ، ويمكن أن يراد الاثنان معا ، أي : للمؤمنين المحسنين حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة .

{ وأرض الله واسعة . . . }

أي : فهاجروا من دار الكفر إلى دار الإيمان ، ولا تقيموا في أرض لا تتمكنون فيها من إقامة شعائر الله .

قال المفسرون : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة ، والغرض منها التأنيس لهم والتنشيط إلى الهجرة {[587]} .

{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } .

يكافأ الصابرون الذين صبروا على هجرة الأهل والوطن ، مكافأة لا يهتدي إليها حساب الحُسّاب ، أي بغير تقدير ، أي : حين يكافأ أهل الطاعات كالصلاة والصيام والزكاة والحج ، والجهاد وصلة الرحم وإكرام الجار والعطف على المساكين ، يكافأ هؤلاء على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فإن أهل البلايا والصبر على البأساء يلقون جزاءهم بدون حصر وبدون عدد .

قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال ، إنما يغرف غرفّا .

وقال ابن جريح : بلغني أنهم لا يحسب عليهم ثواب عملهم قطّ ، ولكن يزادون على ذلك .

وقال السدّي : يعني في الجنة .

لقد كان القرآن يأخذ بيد المؤمنين ، فيحثهم على الثبات والصبر ، والمجاهدة في تحمل مشاق الهجرة ومتاعبها ، واحتمال البلايا في طاعة الله ، وكان الرسول الأمين وصحابته الأبرار قدوة عملية في الثبات والتضحية .

وفي الحديث الشريف : " تنصب الموازين لأهل الصلاة والصدقة والحج فيؤتون بها أجورهم ، ولا تنصب لأل البلايا ، بل يصب عليهم الأجر صبّا ، حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض ، مما يذهب به أهل البلاء من الفضل


[587]:التسهيل لعلوم التنزيل 3/192.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

قوله تعالى : { إنما يتذكر أولو الألباب قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } بطاعته واجتناب معاصيه . { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } أي : آمنوا وأحسنوا العمل ، " حسنة " يعني الجنة ، قال مقاتل . وقال السدي : " في هذه الدنيا حسنة " يعني : الصحة والعافية . { وأرض الله واسعة } قال ابن عباس ، يعني ارتحلوا من مكة . وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي ، وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة ، وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي ببلدة فليهرب منها إلى غيرها . { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الذين صبروا على دينهم ، فلم يتركوه للأذى . وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء ، وصبروا وهاجروا . قال علي رضي الله عنه : كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرون ، فإنه يحثى لهم حثياً ، ويروى : " يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صباً بغير حساب " ، قال الله تعالى :{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب أهل البلاء من الفضل .