تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا( 36 ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا( 37 ) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا( 38 ) الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا( 39 ) ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين وكان الله بكل شيء عليما( 40 ) }

المفردات :

وما كانا لمؤمن : وما صح ولا استقام .

الخيرة : حق الاختيار فيما حكم الله فيه ورسوله بالجواز أو المنع .

ضل ضلالا مبينا : أخطأ طريق الفلاح خطأ واضحا .

36

التفسير :

{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } .

أي ما صح ولا استقام لرجل ولا لامرأة من المؤمنين إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا ، بل يجب عليهم طاعة أمر الله وطاعة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ومن يعص الله ورسوله فقد بعد عن طريق الحق بعدا بينا واضحا .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد خطب زينب بنت جحش لتتزوج زيد بن حارثة مولاه ، وقالت : أنا أشرف منه نسبا وآزرها أخوها في امتناعها فلما أنزل الله على رسوله هذه الآية قالت زينب يا رسول الله هل رضيته لي زوجا ؟ قال نعم ، فقالت زينب : إذن لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

ولما كان الله سبحانه قد قدم{[55606]} قوله : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } - الآية ، فعلم{[55607]} قطعاً أنه تسبب عنها ما تقديره : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة لأن يكون له ولي غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فطوى ذلك للعلم به ، واستدل على مضمون الآية وما قبلها بقصة الأحزاب ، وأتبعها نتيجة ذلك مما ذكرفي تأديب الأزواج له صلى الله عليه وسلم وتهذبيهن لأجله وتطهير أهل بيته وتكريمهم حتى ختم سبحانه بالصفات{[55608]} العشر التي بدأها بالإسلام الذي ليس معه شيء من الإباء{[55609]} ، وختمها بأن ذكر الله يكون ملء القلب والفم وهو داعٍ إلى مثل{[55610]} ذلك لأنه سبب الإسلام ، عطف على مسبب{[55611]} آية الولاية ما يقتضيه كثرة الذكر من قوله : { وما كان } .

ولما كان الإيمان قد يدعى {[55612]}كذباً لخفاء به{[55613]} ، قال : { لمؤمن } أي من عبد الله بن جحش وزيد وغيرهما { ولا مؤمنة } أي من زينب وغيرها ، فعلق الأمر بالإيمان إعلاماً بأن من اعترض غير مؤمن وإن أظهر الإيمان بلسانه { إذا قضى الله } أي الملك الأعظم الذي لا ينبغي لعاقل التوقف في أمره { ورسوله } الذي لا يعرف قضاؤه إلا به { أمراً } أي أيّ أمر كان .

ولما كان المراد كل مؤمن ، والعبارة صالحة له{[55614]} ، وكان النفي عن المجموع كله نفياً عما قل عنه من باب الأولى ، قال : { أن تكون } أي كوناً راسخاً على قراءة الجماعة بالفوقانية{[55615]} ، وفي غاية الرسوخ على{[55616]} قراءة الكوفيين{[55617]} بالتحتانية { لهم } أي خاصة { الخيرة } مصدر من تخير كالطيرة{[55618]} من تطير على غير قياس { من أمرهم } أي الخاص بهم باستخارة لله ولا بغيرها ليفعلوا خلاف ذلك القضاء ، فإن المراد بالاستخارة ظن ما اختاره الله ، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم قطعي الدلالة على ما{[55619]} اختاره الله تعالى ، وفي هذا عتاب لزينب رضي الله عنها على تعليق الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما خطبها لنفسه الشريفة على الاستخارة ، وعلى كراهتها عند ما خطبها لزيد مولاه ، ولكنها{[55620]} لما قدمت بعد نزول الآية خيرته صلى الله عليه وسلم في تزويجها من زيد رضي الله عنهما على خيرتها ، عوضها الله أن صيرها لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعه في الجنة في أعلى الدرجات ، فالخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى ، فمن فعل غير ذلك فقد عصى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن عصاه عصى الله لأنه لا ينطق إلا عنه { ومن يعص الله } أي الذي لا أمر لأحد معه { ورسوله } أي الذي{[55621]} معصيته معصيته لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم { فقد ضل } وأكده بالمصدر فقال : { ضلالاً } وزاده بقوله : { مبيناً } أي لا خفاء {[55622]}به ، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره وإن كان فيه أعظم المشقات{[55623]} عليه تخلقاً بقول الشاعر {[55624]}حيث قال{[55625]} :

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي *** متأخر عنه ولا متقدم

وأهنتني فأهنت نفسي عامداً *** ما من يهون عليك ممن يكرم


[55606]:من ظ ومد، وفي الأصل: قوم.
[55607]:من ظ ومد، وفي الأصل: فعظم.
[55608]:في ظ: بالصافات ـ خطأ.
[55609]:من ظ ومد، وفي الأصل: الإياد.
[55610]:من ظ ومد، وفي الأصل: ميل.
[55611]:من ظ ومد، وفي الأصل: سبب.
[55612]:من ظ ومد، وفي الأصل: كذا بالخفاية.
[55613]:من ظ ومد، وفي الأصل: كذا بالخفاية.
[55614]:سقط من ظ.
[55615]:راجع نثر المرجان 5/411.
[55616]:من ظ ومد، وفي الأصل: في.
[55617]:من ظ ومد، وفي الأصل: الكوفيون.
[55618]:من ظ ومد، وفي الأصل: كالتطير.
[55619]:زيد من ظ ومد.
[55620]:من ظ ومد، وفي الأصل: لكنه.
[55621]:زيد من ظ ومد.
[55622]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55623]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55624]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55625]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.