تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

{ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن في ذلك على الله يسير }

المفردات :

خلقكم من تراب : خلق أباكم آدم من تراب .

نطفة : مني يخلق ذريته منه أي ماء الرجل وماء المرأة .

ثم جعلكم أزواجا : ذكرانا وإناثا .

وما تحمل من أنثى : ما تحمل من جنين ولا تضعه .

إلا بعلمه : إلا بإذنه وتدبيره وعلمه ومشيئته .

وما يعمر من معمر : وما يطول من عمر ذي عمر طويل إلا في كتاب .

ولا ينقص من عمره : بأن يجعله اقل وأقصر من العمر الطويل وذلك بحسب العرف والعادة الشائعة بين الناس .

إلا في كتاب : في صحيفة المرء في اللوح المحفوظ .

يسير : سهل ميسور .

التفسير :

بدأ الله خلق آدم من تراب ثم خلق ذريته من النطفة وهي ماء الرجل الذي فيه الحيوانات المنوية وماء المرأة الذي فيه البويضة ثم جعلكم أزواجا حيث خلقكم أصنافا ذكرانا وإناثا بقدر معلوم قال تعالى : وما خلق الذكر والأنثى *إن سعيكم لشتى . ( الليل : 3-4 ) .

وقال سبحانه : ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ( الذاريات : 49 ) .

فتجد الإنسان والحيوان والنبات أزواجا ليتم التناسل وتعمر الأرض وتستمر الحياة على يوم القيامة .

قال تعالى : وخلقناكم أزواجا . . . ( النبأ : 8 ) .

{ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . . . } أي لا تحمل أنثى بعد الزواج ثم تضع مولودا كامل الخلقة إلا بعلم الله أو يضع سقطا قبل استكمال ولادته إلا بعلم الله ونظير ذلك قوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال . ( الرعد : 8-9 ) .

فسبحان من أحاط بكل شيء علما .

{ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير . . . } أي : لا يعطي إنسان عمرا طويلا حتى يصبح معمرا طويلا حتى يصبح معمرا طويل العمر إلا قد سجل ذلك في علم الله أو اللوح المحفوظ أو صحف الملائكة ولا ينقص من عمر غيره بأن يعطى عمرا ناقصا عن هذا العمر إلا كان ذلك ثابتا في كتاب أي سجل في اللوح المحفوظ إن ذلك سهل هين يسير وكذلك البعث والنشور .

وفي معنى الآية قوله تعالى : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من ق بل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير . ( الحديد : 22 ) .

أي : قبل أن نخلق النفس وهي لا تزال جنينا في بطن الأم كتبنا العمر والرزق والشقاء أو السعادة .

كما ورد في الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ثم ينفخ فيه الروح ثم يقول الله للملك : اكتب قال أي رب ، وما أكتب ؟ قال اكتب أجله ورزقه وشقي أو سعيد " . ix

'قال ابن كثير :

{ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب . . . } أي : في بطن أمه يكتب له ذلك لم يخلق الخلق على عمر واحد بل لهذا عمر ولهذا عمر فكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ ويؤيده ما رواه البخاري ومسلم والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : " من سره أن يبسط له في الرزق وينسأ له في أثره فليصل رحمه " . x

وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة ، يرزقها العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر " .

***

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (11)

ولما ذكر سبحانه ما صيرهم إليه من المفاوتة في الأخلاق ، أتبعه ما كانوا عليه من الوحدة في جنس الأصل ، وأصله التراب المسلول منه الماء بعد تخميره فيه وإن اختلفت أصنافه فقال مبيناً لبعض آيات الأنفس عاطفاً على ما عطف عليه { والله الذي أرسل الرياح } الذي هو من آيات الآفاق ، منبهاً على أنه قادر على التمييز بعد شديد المزج وأنه قدر كل شيء من الأرزاق والآجال والمصائب والأفراح ، فلا ثمرة للمكر إلا ما يلحق الماكر من الحرج والعقوبة من الله والضرر : { والله } أي الذي له جميع صفات الكمال ؛ ولما لم يدع حاجة إلى الحصر قال : { خلقكم من تراب } أي مثلي وإن اختلفت أصنافه بتكوين أبيكم منه فمزجه مزجاً لا يمكن لغيره تمييزه ، ثم أحاله عن ذلك الجوهر أصلاً ورأساً ، وإليه الإشارة بقوله : { ثم } أي بعد ذلك في الزمان والرتبة خلقكم { من نطفة } أي جعلها أصلاً ثانياً مثلياً من ذلك الأصل الترابي أشد امتزاجاً منه ثم بعد إنهاء التدبير زماناً ورتبة إلى النطفة التي لا مناسبة بينها وبين التراب دلالة على كمال القدرة والفعل بالاختيار { ثم جعلكم أزواجاً } بين ذكور وإناث ، دلالة هي أظهر مما قبلها على الاختيار وكذب أهل الطبائع ، وعلى البعث بتمييز ما يصلح من التراب للذكورة والأنوثة .

ولما كان الحمل أيضاً مكذباً لأهل الطبائع بأنه لا يكون من كل جماع ، أشار إليه بقوله مؤكداً رداً عليهم إعلاماً بأن ذلك إنما هو بقدرته : { وما تحمل } أي في البطن بالحبل { من أنثى } دالاً بالجار على كمال الاستغراق . ولما كان الوضع أيضاً كذلك بأنه لا يتم كلما حمل به قال : { ولا تضع } أي حملاً { إلا } مصحوباً { بعلمه } في وقته ونوعه وشكله وغير ذلك من شأنه مختصاً بذلك كله حتى عن أمه التي هي أقرب إليه ، فلا يكون إلا بقدرته ، فما شاء أتمه ، وما شاء أخرجه .

ولما كان ما بعد الولادة أيضاً دالاً على الاختيار لتفاضلهم في الأعمار مع تماثلهم في الحقيقة ، دل عليه بقوله دالاً بالبناء للمفعول على سهولة الأمر عليه سبحانه ، وأن التعمير والنقص هو المقصود بالإسناد : { وما يعمر من معمر } أي يزاد في عمر من طال عمره أي صار إلى طول العمر بالفعل حساً ، قال قتادة : ستين ، أو معنى بزيادة الفاعل المختار زيادة لولاها لكان عمره أقصر مما وصل إليه { ولا ينقص من عمره } أي المعمر بالقوة وهو الذي كان قابلاً في العادة لطول العمر فلم يعمر بنقص الفاعل المختار نقصاً لولاه لطال عمره ، فالمعمر المذكور المراد به الفعل ، والذي عاد إليه الضمير المعمر بالقوة فهو من بديع الاستخدام ، ولو كان التعبير بأحد لما صح هذا المعنى ، وقراءة يعقوب بخلاف عن رويس بفتح الياء وضم القاف بالبناء للفاعل تشير إلى أن قصر العمر أكثر .

ولما كان في سياق العلم وكان أضبطه في مجاري عاداتنا ما كتب قال : { إلا في كتاب } مكتوب فيه " عمر فلان كذا وعمر فلان كذا وكذا ، عمر فلان كذا إن عمل كذا وعمره كذا أزيد أو أنقص إن لم يعمله " .

ولما كان ذلك أمراً لا يحيط به العد ، ولا يحصره الحد ، فكان في عداد ما ينكره الجهلة ، قال مؤكداً لسهولته : { إن ذلك } أي الأمر العظيم من كتب الآجال كلها وتقديرها والإحاطة بها على التفصيل { على الله } أي الذي له جميع العزة فهو يغلب كل ما يريده ، خاصة { يسير * }