{ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون }
زين له سوء عمله : حسنت له نفسه وشيطانه عمله السيئ .
فرآه حسنا : رآه حسنا لا قبح فيه .
فلا تذهب نفسك : فلا تهلك نفسك .
عليهم حسرات : تحسرا عليهم لكفرهم .
هذا هو مفتاح الشر في الحياة أن يزين الشيطان للإنسان عمله القبيح فلا يستمع إلى نصيحة ولا يراجع نفسه ولا يحاسبها على أمر بل يسير معجبا بنفسه قد تملكه الغرور أهذا المغرور المعجب بنفسه المرتكب للآثام مع اعتقاد أنه الأفضل والأحسن كمن استقبح الكفر واختار الإيمان والعمل الصالح ؟ كلا لا يستويان والمراد بمن زين له سوء عمله : كفار مكة .
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية عن جوبير عن الضحاك عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فهدى الله عمر بن الخطاب وأضل أبا جهل ففيهما نزلت : { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . . . }
إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء فمنهم من يمنحه الهدى والتوفيق ونفاذ البصيرة ، واختيار الإيمان ومنهم من يؤثر الضلالة والجحود والكنود ، فيتركه الله مخذولا شاردا في الضلال ممعنا في الكفر فلا تغنم بكفرهم ولا تهلك نفسك حزنا على ضلالهم فالله مطلع وشاهد على أعمالهم وسوف يجازيهم بما يستحقون .
ويشبه بهذه الآية قوله تعالى : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين . ( الشعراء : 3 ) .
وقوله تعالى : فلعلك باخع نفسك علي ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا . ( الكهف : 6 ) .
ولما أبان هذا الكلام تفاوت الحزبين في المآل بالهلاك والفوز ، وكان لا يقدم على الهلاك أحد في حس ، وكان الكفار يدعون أنهم الفائزون قناعة بالنظر إلى ما هم فيه ، ويدعون أنهم أبصر الناس وأحسنهم أعمالاً وكذا كل عاص ومبتدع ، كان ذلك سبباً في إنكار تساويهما ، فأنكره مبيناً السبب في ضلالهم بما فيه تسلية للمحسنين وندب إلى الشكر وحث على ملازمة الافتقار والذل وسؤال العافية من الزلل والزيغ فقال : { أفمن } ولما كان الضار هو التزيين من غير نظر إلى فاعل معين ، بني للمفعول قوله : { زين له سوء عمله } أي قبحه الذي من شأنه أن يسوء صاحبه حالاً أو مآلاً بجمع مال ذاهب أو مذهوب عنه من غير خلة وبيع راحة الجنة المؤبدة بمتابعة شهوة منقضية وإيثار مخلوق فان على ربه الغني الباقي ؛ ثم سبب عنه ما أنهى إليه من الغاية فقال : { فرآه } أي السيىء بسبب التزيين ، { حسناً } أي فركبه ، بما أشار إليه إضافة العمل إليه ، وطوى المشبه به وهو كمن أبصر الأمور على حقائقها فاتبع الحسن واجتنب السيىء ، لأن المقام يهدي إليه ، وتعجيلاً بكشف ما أشكل على السامع من السبب الحامل على رؤية القبيح ، مُليحاً بقوله مؤكداً رداً على من ينسب إلى غير الله فعلاً من خير أو شر : { فإن } أي السبب في رؤية الأشياء على غير ما هي عليه إن { الله } أي الذي له الأمر كله { يضل من يشاء } فلا يرى شيئاً على ما هو به ، فيقدم على الهلاك البين وهو يراه عين النجاة { ويهدي من يشاء } فلا يشكل عليه أمر ولا يفعل إلا حسناً .
ولما كان المحب من يرضى بفعل حبيبه ، سبب عن ذلك النهي لأكمل خلقه عن الغم بسبب ضلالهم في قوله : { فلا } والأحسن أن يقدر المشبه به هنا فيكون المعنى : أفمن غر فعمل القبيح فاعتقده حسناً لأن الله أضله بسبب أن الله هو المتصرف في القلوب كمن بصره الله بالحقائق ؟
ولما كان الجواب : لا ، ليس هما سواء سبب عنه قولاً : فلا { تذهب } أي بالموت أو ما يقرب منه { نفسك عليهم } أي بسبب ما هو فيه من العمى عن الجليات { حسرات } أي لأجل حسراتك المترادفة لأجل إعراضهم ، جمع حسرة وهي شدة الحزن على ما فات من الأمر .
ولما كان كأنه قيل : إنهم يؤذون أولياءك فيشتد أذاهم ، وكان علم الولي القادر بما يعمل عدوه كافياً في النصرة ، قال : { إن الله } أي المحيط بجميع أوصاف الكمال { عليم } أي بالغ العلم ، وأكده تنبيهاً على أن المقام صعب ، ومن لم يثبت نفسه بغاية جهده زل لطول إملائه تعالى لهم وحلمه عنهم { بما يصنعون * } أي مما مرنوا عليه وانطبعوا فيه من ذلك حتى صار لهم خلقاً يبعد كل البعد انفكاكهم عنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.